" حالة حرب "
قصة*
بقلم الكاتبة الروائية
أمل شيخموس // سوريا
▪︎▪︎▪︎☆▪︎▪︎▪︎
كانت الأم تكر السراويل الرثة التي لم يعد بالإمكان ارتداؤها ، بينما المنزل في حالة فوضى الوسائد . . هنا و هناك متناثرة الدنيا حرب الناس مذعورون ، الأسرة في حالة هلع أيضاً بينما الأم تستثمر تلك القطع الرثة كي تعيد تدويرها و تحويلها إلى خيوط نايلون يُمكِّنها من صنع مخدة ! استغربت الإبنة من تصرفها و قالت : الدنيا قايمة قاعدة و أنتِ . . ؟ !
حاولت المرور إلى الجهة الأخرى ، لكن المكان ضيق للغاية لايسمح بالمرور الأم مستولية على المساحة الأكبر و في يدها ميبر إبرة طويلة تعلو و تهبط بها على رقعة من القماش كي تطرزها غرزة غرزة حتى يكتمل النقش إبرة غليظة و خيط طويل و حركة لا مسؤولة حتى أنها من شدة اندماجها لم تتنبه للصوت الذي يناديها ! ! كالنملة تعمل بهمة و نشاط بينما المنزل بما فيه . . و الدنيا حرب ضروس يبدو أن منزلهم أيضاً كتلك الحرب يطحنُ أفرادهُ من الداخل دون صوت أو صراخ يعيشون في ذات المكان بيد أن أحداً لا يحس بالآخر هذا ما يبدو . . بعد أن يئست من استجابة الأم لصوتها راحت تغامر بذاتها و كلها حذر من الإبرة الغليظة ذات الخيط الأسود الطويل التي في علوٍ و هبوط قررت المرور على رؤوس أصابع قدميها لشدة ضيق المكان وبأقصى سرعة لتصل إلى أختها الوسطى لتتبين ماذا يمكن أن تقدم لها ؟ ! ماذا دهاها ؟! و ما الذي حصل ؟ ! الأمر لافت للانتباه و يشد النظر . . بارتدائها هذا الفستان الأحمر القاني الشفاف حيث الجسد يبدو شبه عارٍ للعيان بذاك الفستان القاني الشفاف من الموسلين جذبت أختها بقوة تهزها بوجهها المتعب و هيئتها الغريبة تلك ! انهضي . . ما هذا الرداء القاني الشفاف ؟ ! !
حثتها قبل أن يلمحها أحد ! ! بينما الأم تسابق الزمن لإنجاز تحفتها الفنية هناك و التي نجت بأعجوبةٍ منها و بفضل الله أن إحدى مقلتيها لم تفقأ و محياها لم يشوه في تلك الليلة الظالمة التي تعلو فيها الإبرة و تهبط دون هوادة نظراً لرغبة الانجاز فيها و ضربها عنواناً للإرادة !! ماذا تراه حدث لهذه أيضاً ؟ ! وجه متعب و مرهق و كأنها على وشك الإنتحار ! ! شدتها بالإحتضان ، توجست خيفةً بدأت تهزها لتستيقظ وكأنَّ الاثنتين في حالة صدمة ؟ !
الأم في عملها مستمرة و كأن النار اشتعلت هناك حيث تصاعد الدخان من الإبرة جراء الجهد الذي يتم بذله و الاحتكاك السريع للحديد برقعة القماش كان المشهد فظيعاً بامتياز غير طبيعي البتة . . الدنيا مقلوبة و ابنتها على وشك الإنتحار ، منسجمة هي بشكلٍ كليٍّ مبهر مع الغرز ! ! المظاهر هي الأهم إذ أن كل من يزوروهم سيعجب بلوحة التطريز تلك و سوف يثنون عليها حتى ينتفخ الرأس كما اليقطين . . أما التوأمان في إهمال كما تلك الوسائد التي يخيلُ للناظر أنهُ لم يعد يفرق بينهما سوى أن تلك الوسائد أكثر إمتلاءً منهما ! ! من شدة الجوع لا طاقة لهما للضحك أو اللعب إنما ممدودان هناك دون رعاية أو أدنى احساس !
تأكدت أن أختها ذات الفستان الأحمر القاني في مصيبة عظمى إذ انتحبت تقول :
- لا أمي ولا أبي .. ! !
لم يكترث لأمري أحد و لم يجد الوقت لنصحي و الآن لو عرفوا لقتلوني ! امتقع لونها إثر سماع تلك الكلمات
تتفحص محياها المتعب الباهت الذي ينذر بالموت ؟ ! ! مخطوفة الأنفاس متخبطة النبض الذي بات متواتراً سريعاً و كأنها أصيبت بتسرع في القلب لحظتها راحت تهدئ أختها المنكوبة :
- أنا معك و أنا قوية .
لمنحها الثقة و الجرأة على البوح لتتسنى لها معرفة ما الذي حدث فالأمر مريب ! ! اتضح أنها اغتصبت في أثناء عودتها . . ! أمر محتم إهمال في المنزل و حرب في الخارج بل حرب في الداخل أيضاً لا أحد يشعر بالآخر الأمر لا يتعدى انجاب الأجساد و لو تم الإهتمام بهم كما تلك اللوحة . . لكان الأمر بألف خير .
ثمة مَن يولون المظاهر و المجاملات جُلَّ اهتمامهم ، يتفاخرون بما لديهم من مقتنيات و كأنهم في حرب ! في الوقت عينه يتم إهمال الأطفال وكأنهم ليسوا " أرواحاً " بل مجرد تجميل و تزيين للواجهة لا أكثر . . !
- كانت في منتهى القوة عندما منحت المنكوبة الأمان من خلال كلمة
- أنا قوية
و ذلك لكسب ثقتها و العمل على نجدتها في ظل بيتٍ منهار منه التوأمان في حالةٍ يرثى لهما . .
إذ لا ذنب لها في شيء حتى لو لم تتلقَّ النُّصْحَ ، فالتربية تنشئةٌ و رعايةٌ و إعداد و توجيه و إرشاد وتأهيل ، ليغدو المرء شخصاً يعتمد عليه لا ساذجاً يغرق في شبر ماء . . !!
الكاتبة الروائية
أمل شيخموس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق