كنت حفيدا صرت جدا.....
كنت صغيرا وكانت الأشياء تتحرك على شاشة عيني والأصوات تتراقص على ساحة اذني ولم أكن أدرك ماهيتها ومعانيها ولا افرق بين الضحك والبكاء ولا اعرف ان كانت أمي تضحك أم تبكي عندما تضمني الى صدرها وهي تدندن أنفاسها متعبة كي انام فهل الضحك والبكاء لغة نعبر بها عن إحساس يعتمل في داخلنا.? هل الضحك يعبر عن الفرح والبكاء يعبر عن الحزن.? ألم تمر بك لحظة فرح ابكتك ولحظة حزن اضحكتك.? أليس هذا أحد عجائب الحياة. ام ان الحياةُ بحد ذاتها سر لم يكتشفه الإنسان حتى الان.?
كان جدي ملاذي الأمين والحضن الدافئ الذي اخلد فيه إلى النوم وهو يقص علي حكايأته وامي تسرح في حقول عملها .وها أنا بعد أن وصلت إلى سن الكهولة احتضن حفيدي وهو ينتظر حكاياتي في زمن لم يعد لحكايات الأجداد للاحفاد مكان احتلته وسائل التكنولوجيا وصار الحفيد يقص حكاياتها على جده ويعلمه كيف يتعامل مع أجهزتها .
برزت في لحظة تأمل بين ما كنا عليه في الماضي وما نحن فيه الآن صورة جدي على شاشة ذاكرتي يقص حكاية لا أزال أذكر نهايتها بكلماته:( مع كل رمشة عين يأتي انسان إلى الدنيا يستقبلونه بالضحك وهو يبكي ويرحل منها انسان يودعونه بالبكاء وهو يبتسم. كل إنسان يا ولدي يأتي من ظلمة الرحم ويرحل الى ظلمة اللحد فلا تبكي عليها بل اضحك معها بعقلك وارادتك واحلم بغدك تسعد فيه لأن البكاء لا يعيد راحلا ).وها أنا اليوم اقول لحفيدي في نهاية حكايتي ( اشرب يا ولدي من بئر الحياة ما استطعت حتى ترتوي حقولك لتخضر وتبرعم وتزهر وتثمر لأنك كإنسان يمثل محور الحياة ونقطة الارتكاز على الأرض. تملك القدرات العقلية والروحية التي تؤهلك أن تعيش سعيدا بقدر ما تستخدم قدراتك على الخط الموازي لمتطلبات الحياة وخدمة الإنسانية والإنسان لأنك وحدك الذي يملك العقل بين الكائنات التي تعيش على الأرض ) أنهيت كلامي وحفيدي ينظر إلى وجهي ضاحكا مغمض العينين لا اعرف أن كان سمع ما قلته ام رحل في رحلة مع النت وفضاء الفيسبوك ولعبه وحكاياته
بين زمن كنت فيه حفيدا وزمن صرت فيه جدا تغيرت الأحوال والقيم والوسائل والأدوات ولم يعد للجدات والجدود وحكاياتهم مكان في زمن النت والكمبوتر
جرجس لفلوف سورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق