قصةبعنوان ..
الطفل الملائكي..
بقلم : تحسين المعموري..
قصة واقعية حدثت معي/
ذهبت الى السوق لأشتري بعض ما احتاجه لنفسي، كوني أعيش وحيد في هذا العالم دائماً ما أردد (كأني ولدت وحيدا على هذا الكوكب) لا أهل ولا أقرباء ولا أحباب ولا أصدقاء، الأغرب من هذا كله لا جيران، نعم لا يوجد لدي جيران ولكن أنا صنعت لنفسي عالم جميل.
هل تستغربون إذا قلت لكم لقد جعلت كتاباتي وقصصي وأشعاري هي كل أهلي وأحبابي، لا تستغربوا اذا قلت لكم إن القمر كلمني وطلب مني أن يكون صديقي؛ نعم وبالفعل أصبح صديقي لأنه يعلم أني صديق وفي لا أتركه أبدا، أسهر معه كل يوم حتى الصباح. لن أقول لكم أنا أتحدث كثيراً، سوف تستغربون لأنكم عرفتم تفاصيل حياتي وعرفتم أني وحيد، نعم أنا وحيد على هذا الكوكب ولكن أنا أتحدث أكثر منكم، أتعلمون مع من؟.
مع كيتاري الذي ينطق بأجمل الألحان ويسرد لي أحلى قصص العشق؛ ولكن أكثرها حزينة ومبكية، لا يهم لقد قرأت مرة على جدار غرفتي عبارة أنا كتبتها مذ كنت صغيراً، كانت تلك العبارة هي وصف لما أعيشه، كتبت (إن الحزن عنواني) لكن لا يهم لقد تعودت على الوحدة والحزن؛ لأنهما لا يفارقاني أبداً، أنا آسف لقد ذهبت بكم بعيداً عن الموضوع الذي أنتم تطلبوه وهو موقف إنساني حدث معي لن أنسى ذلك اليوم، أتصدقوني إذا قلت لكم أنا أبكي كل يوم على ما رأيته في ذلك اليوم؛ والعذاب أني وحيد لا يوجد من يشاركني بكائي هذا أو ألمي أو حزني، لن أطيل عليكم ما حدث لي في ذلك اليوم الذي هز كل جوارحي، حينها علمت أن الإنسانية والرحمة قد قتلت في مجتمعاتنا، والله وأنا الآن أكتب لكم هذا الموقف وأبكي لا أسيطر على نفسي، ألتمسكم العذر إذا فاتتني بعض الكلمات، لا لا لم أنسها لقد كتبتها ولكن دموعي وقعت عليها فمسحتها، سأعتذر منكم مرة أخرى لأني دائماً أحدثكم عن نفسي وأذهب بكم بعيداً عن صلب الموضوع، الآن سأحدثكم عن ذلك الموقف المبكي الذي حدث معي ولن أنساه أبداً..
حين ذهبت الى السوق كما قلت لأشتري بعض الحاجيات، كان يوماً حاراً، بل خلته أشد أيام الصيف قساوة، وأنا أمشي في شوارع السوق رأيت صبي صغير، كان يضع أمامه ميزان لقياس الوزن؛ ممسكاً بيده كتاب يقرأ فيه، يفترش الأرض بجلباب لا أظنه يحميه من حرارة الأرض، رأيت على وجهه الملائكي البريء قسوة التعب وشدة الحر التي أهلكت جسده، يومها بكيت حتى لعنت الفاسدين في بلادي، فهذا الطفل المسكين هو ضحيتهم، وقفت حينها ساكناً كأني تجمدت أو مت، أنظر إليه وهو يقرأ الكتاب الذي بين يديه تارة وأخرى يتفحص بناظريه المارة عسى أن تأتي أقدام لتدوس على ميزانه، علّهم يعطفون عليه ويرمون له ببعض الدنانير.
اقتربت منه ولكني لم أضع قدمي كما يفعل الآخرون، لقد سجدت له؛ ثم رفعت رأسي لأنظر إلى وجهه الملائكي، فنظر إلي مبتسماً رغم ما يعانيه من الألم وقسوة الحرارة، سألني أتقيس وزنك؟ فأجبته: لا أنا أعرف وزني كوني أعيش وحيداً فلا أتناول الكثير من الطعام وأيضا لا أهتم بأمره، ثم رحت أسأله: أليس الجو حاراً وقاسياً عليك؟
فأجاب وهو يحدثني أنه يتيم الأب، وأمه مريضة من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولديه أخت صغيرة.
قال ليس لدينا من يساعدنا أو يصرف علينا وأمي بحاجة إلى الدواء، وأختي رضيعة بحاجة إلى الحليب.
رأيت الألم في وجهه وهو يتكلم ولم أرَ دموع، عرفت حينها أنها جفت من عينيه، لقد بكاها كلها كون أيامه يملؤها الألم والحزن والبكاء، ولكن أنا عوضته عن هذا فقد بكيت وبكيت بدلا عنه.
أسمعه وهو يحدثني عن يتمه ومرض أمه وأخته الصغيرة التي تنام دون أن ترضع وجبتها من الحليب، حين سألته عن الكتاب الذي بين يديه، وماذا يقرأ قال وهو حزين أنا لم أدخل المدرسة كوني فقير وليس لنا مال وأيضا لا أستطيع كوني أعمل وأعين أمي على مرضها، وهذا الكتاب الذي تراه بين يدي طلبته من رجل كبير، وأنا الآن أتهجا الحروف وهناك بعض المارة أوقفهم وأطلب منهم ليعلموني بعض الكلمات، وهذا كله أفعله لأتعلم القراءة، كي اقرأ دواء أمي ولا أتوهم وأعطيها الدواء بالخطأ لأن أمي ضريرة لا تستطيع الرؤية.
هنا رأيت ذلك الطفل ببراءته، كان الألم هو من يعبر عنه، حين سمعت منه هذا صرخت بأعلى صوتي ولعنت الفاسدين في بلدي الذين سرقوا حليب تلك الطفلة الرضيعة وقتلوا براءة وطفولة هذا الطفل المسكين، آه لعنة الله عليكم أيها الفاسدين، أين تذهبون من عذاب الله، إن دموع هذا الطفل اليتيم ستلاحقكم ونحن سننعلكم إلى يوم الدين، أخرجت بعض المال لأعطيه إياه، لكنه رفض.
الله الله طفل يتيم وفقير لا يملك قوت يومه، ينام كل يوم وهو جائع، وأخته الرضيعة يراها تتضور من الجوع لأن رضعتها وحليبها سرقوه الفاسدين، فيا له من طفل يحمل من العفة والكرامة وعزة النفس الشيء العظيم.
بكيت أكثر وأنا أقارن بين عفة هذا الطفل وخسة ونذالة أولئك الفاسدين، حينها قررت أن لا أغادر المكان حتي أساعده، ولكنه لم يتقبل أن يتصدق عليه أحد، تركته وذهبت بعيداً عنه، حتى تواريت عن نظره كي لا يراني ثم قمت وتوسلت بالمارة الذين هم في السوق فكنت أعطيهم المال وأوصيهم أن يمروا بذلك الطفل ويزنوا ثقل أجسامهم عنده ليعطوه المال الذي أعطيته لهم، كان الكثير من الذين أرسلتهم إليه، لقد رأيت الفرحة وهي ترتسم على وجه ذلك الطفل اليتيم، الذي يعمل بقسوة ظروف الجو التي لا يتحملها الكبار الغلاظ؛ فكيف وهو طفل صغير ولكنه كان يريد أن يجلب الدواء لأمه الضريرة ويجلب رضعة الحليب لأخته الصغيرة، الله لعفة ذلك الطفل الكريم، ما زلت كل يوم أقف متواريا عن نظره وأرسل له الكثير والكثير من المارة، ليزنوا عنده، ويعطوه المال على ذلك وأنا ارى فرحته وابتسامته التي أذهبت حزني ووحدتي وألمي، فشكرا لك أيها الطفل البريء الملائكي لأنك ملأت حياتي وجعلتني سعيدا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق