خاطرة
{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }
(الشعراءــ٨٠)
... وَ أخيـرًا، دَخلْتُ عِيادةَ طَبيبٍ أُجَرجِرُ أقدامي، وَ أَتَّكيءُ عَلىٰ أكـتافِ مَنْ جَـعَلَ اللّٰهُ تَعالىٰ، بَيني وَ بَينَهَا، مُـوَدَّةً وَ رَحمـَةً، أو مِــمَّنْ تَربَّىٰ وَ تَرَعرَعَ في كَنَفـي وَ تَجــمَعُني مَعَــهُ صِلـَـةُ رَحْـمٍ!
أَنَــا لَســتُ عَجُوزًا، وَ إنَّني في السِّتِينَ وَ نَيَّفٍ، لٰكِنْ.. رَحَمَكَ اللّٰهُ يا أبا الطَّيِّبِ المُتَنبِّي! لـِقَولـِكَ:ــ
(وَزائِرَتـي كَـأَنَّ بِهـا حَـيـاءً
فَلَيـسَ تَـزورُ إِلّا فـي الظَـلامِ
بَذَلتُ لَها المَطـارِفَ وَالحَشايـا
فَعافَتهـا وَباتَـت فـي عِظامـي)
فَكمْ مَـرَّةً طارَتِ الأسـئلةُ مِـنْ فَـمٍ إلىٰ
أُذنٍ واعيةٍ؟
ما سَببُ المَرضِ الفُلانـي؟
مـا الَّذي حَصلَ فَتبدَّلتْ أســبابُ وَ أعــراضُ وَ نتائجُ العِلَلِ؟
هَلْ ثَمَّةَ نِسبَةٍ بينَ الوَعي الجَمعي بالطِبِّ، وَ زيادةِ أعـدادِ الأطبَّاءِ؟
بَعضُ المُجيبينَ يَزعمُونَ:-
التَّربيَةُ وَالتَّعليمِ هُما مَصدَرانِ رَأسيّانِ لِاسْتفحالِ أمراضٍ فَتَّاكةٍ!
وَ آخرُ يَعزُو السَّـببَ لِلتَغذيَةِ، وَ رُبَّما البيـئَةُ تَلعـبُ دَورًا كَبيرًا، وَ يَعـتَقِدُ الكـَثيرُونَ:-
إنَّ الحَربَ أُمُّ المَصائبِ وَالمَهالكِ وَالنَّوائبِ.
وَ نَـفَرٌ يَدَّعـي:- لَو لـَمْ تَتْــمْ صَنــاعَةَ الجَراثيمِ وَ الفايروسـاتِ، لِأَكلَ بَعـضُـنـا البَعضَ! وَ لِشَرِبَ "الزُومْبِي" نَخْبَ أَخيهِ اللَّدُودِ دَمًا!
وَ يَقُولُون.. قِلَّةُ المَنـاعَةِ سَبَّبتْ ذٰلكَ!
أمَّـــا أَعداءُ الحَياةِ يَدَّعُونَ أنَّ ' الحُبَّ'.. نَعمِ الحُبَّ هوَ المُعادلَةُ الصعبَةُ في الأمراضِ الفَسلَجيَّةِ وَ السايكولوجيةِ،
وَمِن أجلِ ذٰلكَ؛اِنبرَىٰ الوُعَّاظُ وَأَصدرُوا فَتوَىٰ تَحريمِ الحُبِّ في المجتَمعاتِ المَسـحَوقـَةِ، وَ زَرعُوا نَبتـَـةَ الحِقـدِ في قُلوبِ البسـطـاءِ وَ السُّــذَّجِ وَ الغَـوغـاءِ،
وَ عَديمي الثَّقافَةِ، أو أنصافِ المُثقفين!
بَينمـا دعـاةُ الـزّمنِ الجَّمـيلِ يَلعنُونَ أبــا التكنولوجيا، وَ يَرفعونَ شعارَ "لَـعنَ اللّٰهُ أُمَّـةً تَـركَتِ الحَـميرَ وَ رَكبَتِ الشَّمَندَفرَ !" أي:- السياراتُ الحديثةُ...
وَ بسـببِ هٰذهِ اللَّعنـَةُ وَ أخـواتهـا تَكاثرَتِ الأمراضُ كَمًّــا وَ نوعًــا!
وَ هـناكَ مَـنْ يُلقـي اللَّـومَ عَلىٰ النَّفـسِ
الأمّــارَةِ بالسُّـــوءِ.. فَمَا يَســقطُ عَلىٰ رُؤوسـِنا مِنْ نَوازلٍ.. بِسـببِهـا، بِحــيثُ تَنــوخُ مِنهُ الجـبالُ الشَّــوامِخُ؛ فَـكيفَ بنا نحنُ أبناءَ الجِّنسِ البَشَـري؟
وَ أَقــوالٌ أُخرَىٰ لا عَـدَّ لهـا وَ لا حَصرَ!
وَ لا يَهـُمُّني- هُنـا- مِنهــا إلَّا قَـدرُ مـا
يَتعلَّـقُ الأمـرُ بــ (وَعكَتـي الصِّـحيَّةِ)!
فَما أكثرُ ما مَرَّضْتُ المَـرضىٰ، وَ سَهرتُ عَلىٰ مُداواتِهـم وَالعنايةِ بهم وَمساعدتِهم، فَضلًا عَن عِيادَةِ كَثير مِنهُـم! وَ مـا أكثرُ النصائحِ وَ الإرشاداتِ المُتـواضعَـةِ، وَ هي في حينـِهـا ناجعـةٌ.
وَ لـمْ أَتـَوانَ في تلبيـةِ حاجـةِ الآخَــــرِ،
سـَواءً في الوقـتِ أو في الصحةِ أو في التَّحمّلِ كخدمةٍ تَطوعيةٍ تكررتْ في الـصيفِ وَ الشــتاءِ، في الشمالِ وَ الجنوبِ، للـقــريبِ وَ للـغــريبِ!
وَ اليومُ.. شَـيَّعتني كُلُّ القُلُوبِ وَضَربتِ الدُّفُوفَ لِمَوكبي بِاتِّجاهِ الأَطبّاءِ!
فَهـلْ يـا تـُرَىٰ.. يُجاري الأَطباءُ مَشـاعِرَ
الآخرينَ؟
أَنَــا أثِقُ باللّٰهِ سُبحانَهُ، وَ أَشـكّ في قِدرةِ الأطباءِ عَلىٰ مصـارَعـَةِ النَّفـسِ وَ الهَـوىٰ،
وَيَركَبونَ مَرْكبَِ الإنسانيَّـةِ، بُغـيـةَ العُبـُورِ إلىٰ بَــــرِّ الأحسـانِ، وَ الرَّأفَـــةِ بالإنســـانِ!
وَ رَحِــمَ اللّٰهُ مَــنْ قــالَ:ـ
ــ مـا زلـتُ أَذكرُهُم بخَــيرٍ، وَ يَحــدو بيَ الأَمَـلُ، أَنْ أجدَهُـم بالفِ خَيرٍ!
(صاحب ساجت/العراق)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق