المرأة العامِلة
بقلم/ فؤاد زاديكى
مِنَ الطّبيعيّ, بل والضروريّ جِدًّا أنْ يختلفَ النّاسُ في وِجْهاتِ نَظَرِهم إلى بعض الأمورِ و المواقف والقضايا الحياتيّة, فهذ أمرٌ حَسَنٌ بجميع الأحوال, لأنّ التطابُق و التّشابُه التّامّ في كلِّ شيءٍ يبعثُ على المللِ و السأمِ وانعدام روح التّحدّي و التطلّع نحو الأفضل, خاصَةً عندما تكون تلك القضايا و المواقف مصيريّةً تلامس حياتنا كبشر و يكون لها تأثيرٌ مباشر علينا.
إنّ الحياةَ مَلِيئةٌ بالتّناقُضات _ شِئنا هذا أم أبَيْنَا _ وهذه التّناقضات المختلفة والمتنوّعة والمتعدّدة مِنْ حيثُ الرّؤى والتوجّهات والانعطافات قد يراها البعضُ أمورًا مُسْتَهْجَنَةً وقد لا يراها, بل يرى فيها دعوة إيجابيّة للسّعي من أجل خلق ظروف أفضل لتحقيق النّجاح في الحياة.
نأخذُ بالاعتبار وجهة النّظر التي يُمكن ألَّا تُوافق على سير عمليّة التطوّر في حياتنا الاجتماعيّة بموجب ما حصل و يحصل كلّ يوم من تقدّم و تطوّر في مختلف مجالات الحياة و كذلك المخترعات و السّبل التي تُعين المرء في حياته اليوميّة عندما يرغب في السير على خُطى هذا الجديد, وأقصد هنا عنوان الموضوع و الذي هو عن (المرأة العامِلة) وهذا الموضوع برأيي لا يتجاوز حدود كونه عادِيًّا تمامًا, مهما طاله من أخذٍ و ردّ, وقد يراه البعض الآخر ولاعتبارات لديه منها عادات اجتماعيّة مَوروثة, و منها التزامات دينيّة ينطلق من أفق ضيّق منها, لا يرى نور الحقيقة و لا ضوء المعرفة.
عندما تكونُ المرأة عاملةً في وسطها الاجتماعي, الذي تعيش فيه, فهي تكونُ حرّةً أوّلًا و قبل كلّ اعتبار آخر, و هذا أمرٌ في غاية الأهمّيّة, فالمرأة عندما تكون حرّةً تستطيع أن تخلق حالة من الاحترام المفروض على الآخرين وبالتّالي سوف تُحْسِنُ التّصرف بحكمة و دراية و وعي, إنّها تعمل و تُنتج و تتفاعل و تُعطي ما لديها من جَهد من أجل إغناء الحياة و التأثير بها, أمّا عندما لا يُسمح لها بالعمل, لأيّة أسباب كانت, فإنّها تبقى مرتبطة بالرّجل اقتصاديًّا, يستطيع أن يُملي عليها ما يُريده مِن شروط, و هي كثيرة لكونه يعيش في وهم عالم تفوّقه الذكوريّ الفاشل و المُبهَم. إنّه لا يُوافق على أن تعمل المرأة و هي بنظره وعاء للإنجاب فقط أو هي قطعة أثاث يزيّن بها منزله, يستمتع بها كما يرغب و يشاء لأنّها ملك له, هو يظنّ بأنّها ملكٌ له, و هذا غير صحيح فالمرأة و الرّجل في بوتقة الحياة الزّوجية هما متعاونان متكاتفان مُتضامِنان متساوين, يحترمُ كلٌّ منهما الآخر, بحسب الأصول المرعيّة كبشر من لحم ودمّ. المرأة تملك رقّة إحساس كبيرة و هي حنونة أكثر مِمّا يتصّور الرّجل, لهذا عليه أن ينظُر إليها على أساس أنّها مُعِينَتُهُ و ليست مُنَافِسَتَه ليغَارَ من عملِها و من تفوّقها في مجال هذا العمل, فيعتقد واهِمًا أنّه لم يعد يملك السيطرة عليها, وأيّة سيطرة؟ هل العلاقة الزّوجية حربٌ بين طرفين؟ هل العلاقة الزوجية تنافُسٌ غير محترم وغير مشروع؟ هل عندما تتميّز المرأة بحضورها وتبدع, يكون بهذا فقد الرّجل مكانته و قُلِّلَ مِنْ شأنِه؟ بالطّبع لا. فقط الرّجل غير الواعي و الذي لا يحترم الحياة الزّوجية ينظرُ إلى الأمور على هكذا أسس بالية, واهية هي موروث قديم غير قابل للحياة.
إنّي أستطيعُ ومن خلال تجربتي الشّخصيّة – لكوني و زوجتي عَمِلْنَا في حقل التّعليم كمعلمين – القول بإنّ المرأة العامِلة تفرض وجودَها بقدسيّة عملها, وهي ليست بأقلّ من الرّجل في شيء, إنّها مُنافِس شريف و مخلص و وفي له, لا عليه أن يخشى من واقع عمل زوجته, خاصّةً وأنّ ظروف الحياة صارت أصعب من قبل, فصار الغلاء الفاحشُ يضربُ أطنابه في كلّ مكان و شيء, ولم يعد الرّاتب لوحده يكفي للقيام بمستلزمات الحياة, خصوصًا عندما يكون أنباءٌ في هذه الأسرة, فهم بحاجة للعناية و الرّعاية و لمصروف إضافي. لا أقصد فقط من النّاحية المادّيّة لوحدها, علمًا أنّها أساسيّة و هامّة, لكّني أؤكّد على ضرورة أنّ عمل المرأة حاجة حياتية و ضرورة اجتماعية فهي تشكّل نصف المجتمع ولا يجب أن يبقى هذا النّصف مشلولًا, كما أنّها وبالوقت نفسه, تقوم بتربية النّصف الثّاني من المجتمع, فإذا لم تكنْ حرّةً واعيةً تملك مصيرَ قرارها بيدها, فلن تتمكّن من النّجاح في مهمّتها كمربيّة, فالمرأة العاملة إنسان يشعر بكيانه الشّخصيّ و بالتّالي بالثّقة بنفسه, وهذا أمرٌ في غاية الأهمّيّة. بينما تبقى المرأة غير العاملة مرتبطة بزوجها اقتصاديًّا وتعتمد عليه في كلّ شيء, ممّا يجعلها لا تشعر بالأمان والاستقرار و حتّى في حال قام زوجُها بتعنيفها, فهي لا تقاوم ذلك, بل ترضخ خوفًا على مصيرها و مصير أبنائها, و هنا تكمن معضلة اجتماعية خطيرة نراها تكثر في مجتمعاتنا الشّرقيّة بخصوص التسلّط القهري والعنف الأسري, الذي تذهب ضحيّته في كلّ سنة مئات من النّساء, لأنّهن غير حُرّات وغير عامِلات.
وهناك أمرٌ آخر ليس منفصلًا عن واقع عمل المرأة, فهي بحكم عملها تختلط بالرّجال, و هذا أمرٌ عاديّ, ولمن يتشدّق بأفكار قديمة بالية, بزعم مخاوف على زوجته العاملة, من هذا الاختلاط, فإنّي أقول له و لغيره ممّن لا يستطيعون الخروج من قمقم هذا الوهم و المرض النّفسي و الفكري العويص, باستطاعة المرأة أن تفعل ما تريد حتّى لو كانت لوحدها و في غرفة مُغلَقة.
عندما يكون الزّوج رجلًا واعيًا ومثقفًا مستنيرَ الفكر والرؤية, فهو سيحترم زوجته عندما تعمل و يقوم بتشجيعها و دعمها, بل ويحرّضها على العمل لأنّ العمل هو قيمة للإنسان, فهي ليست للزينة كقطعة أثاث في المنزل أو لمتعة الرّجل, بل هي لمساعدة الرّجل و الوقوف إلى جانبه في كلّ المواقف و الأحوال. عندما يرى الرّجل أنّ المرأة عبارة عن إناء للتّفريخ و الإنجاب و هي فقط زينة في بيته من أجل تلبية رغباته الجنسيّة, فهو يكون على خطأ كبير و يظلم المرأة و يعتدي على حقوقها. الحياة الزّوجية مشروع عمل متكافئ, متكامل يقوم على أسس كثيرة من أهمّها الاحترام المتبادل و الثّقة و المحبّة والمعاملة بالمثل, وأيّة علاقة بين الزّوجين لا تأخذ بمثل هذه المعايير و القيم و المفاهيم الحياتيّة, سوف يكون مصيرُها الفشل. على الرّجل أن يُعينَ المرأة و يُؤَازرَها و لا يقف في طريق تحقيق طموحاتها, فلها الحقّ مثلما لهُ وبدعمها له تتحسّن ظروف حياتهما وتصير نحو الأفضل, فالمرأة العامِلة تملك قرارَها بيدها و هذا حقّ مَشروعٌ من حقوقها, لا يجب إغفالُه أو خنقُه مهما يكن من أمر أو داعٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق