الخميس، 2 يونيو 2022

رواية الجريمة و العقاب 3 ل دوستويفسكي

 الجريمة والعقاب 3

سونيا .. الفتاة البريئة والنظيفة والنقية والطيبة والكريمة .. تضطر إلى بيع جسدها من أجل إطعام زوجة أبيها المريضة وأولادها الصغار .. فكرة التضحية الذاتية وإبعاد الأنا وتقديم الآخر مجسدة بكل أبعادها في شخصيتها , إذ تسمو بها لتكون حاملة لآلام البشرية جمعاء ورمزاً للصورة المضيئة للكون .

مزج دوستويفسكي الألم بالحب ، لتكون سونيا ممثلة لحب الناس المؤلم ، ومحافظة على بياض روحها في ذلك المحيط القذر الذي لوَّث جسدها وحياتها ومستقبلها .. 


انقطاع الأمل وفقدان الرجاء يُدخل الناس في شبكة من المآزق , ويدفعهم لارتكاب الجرائم الأخلاقية ضد أنفسهم .. المجتمع البرجوازي يضعهم أمام اختيار مثل هذه الطرق , التي توصلهم , بأشكال مختلفة , نحو الهاوية وانهيار آخر رموز الإنسانية داخل أنفاقهم المظلمة .


سونيا مارميلادوفا .. (ستبقى سونيا ما دام العالم يقف على رجليه) ، أو (طالما بقي العالم على ما هو عليه) - 

.. سونيا الخالدة تلوح في ثياب العالم الحزينة والكئيبة والرمادية ..


سونيا تعترف وتؤمن بالمثل الأخلاقية العليا , التي من وجهة نظر الكاتب, هي الأقرب للطبقات الشعبية الواسعة .. مُثل الاستكانة والخضوع والذل والإذعان والسكوت ... لكنها رغم تمتعها بالجمال وكل الخصال الحميدة لم ينقذها الكاتب من مصيرها المجهول ..


في زماننا الذي تتحطم فيه حياة الناس تحطماً لا مثيل له ، تبدو سونيا شخصية غريبة وبعيدة عن الواقع .. شخصية أقرب إلى القداسة والنبوة ..


الضمير الإنساني والروح الإنسانية موجودان وسيبقيان ما بقي (العالم واقفاً على رجليه) حتى ولو كان هذا في غياب أي بوادر للحياة الجميلة والعدالة الاجتماعية والحرية والقانون .., وسيظل واقفاً في وجه سيطرة قوة المال والسلطة والطريق الواحدة ..


سيأتي الندم يوماً ما ويحاسب الإنسان نفسه حتى وهو على أبواب القبر ليتوب .. سيبكي حينذاك رسكولنيكوف متذكراً (سونيا الخالدة) .. في هذا تتلخص الفكرة السامية للرواية العظيمة , التي كتبها رجل عظيم يعرف جيداً خبايا النفس البشرية !


الحياة لا تطاق في مجتمع يسوده الظلم والفساد ، ويتحكم به الرأسماليين القذرين .., وفي حالة غياب الحقيقة وتحنُّط القوانين واستشراء الفساد في جميع مؤسسات الدولة والتخوين والتكفير وموت الجمال .., ماذا يبقى أمام الإنسان كي يحصل على حقه ؟ .. كيف سيدافع هذا الضعيف , غير المحمي وغير المرتبط بجهات داخلية أو خارجية , عن وجوده ؟


لوحة الألم والمعاناة الإنسانية لم تتغير منذ أن كتب دوستويفسكي روايته الخالدة (الجريمة والعقاب) ، فهي ما زالت تطغى برماديتها على آفاق العالم وأحلامه ، وتعكس حياة الأكثرية المسحوقة في أرضنا العاقر .. وربما لن ينتهي الظلم والفقر والألم إلا مع نهاية الإنسان !


ولكن في قلوب أولئك الذين لم يصبحوا بعد أشراراً ، ما زال الأمل مستمراً بالتعايش مع آلامهم ، حتى ولو كان هذا يجري بصعوبة وسذاجة كبيرة !

ابو ياغي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

‏بنك القلوب بقلم ليلا حيدر

‏بنك القلوب بقلمي ليلا حيدر  ‏رحت بنك القلوب اشتري قلب ‏بدل قلبي المصاب  ‏من الصدمات ولما وصلت على المستشفى  ‏رحت الاستعلامات ‏عطوني ورقة أم...