... إذا حلت أوحلت
وإذا جلت أوجلت
وإذا كست أوكست
وإذا أينعت نعت
... وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور
... كان يركض فى الدنيا كركض الوحوش فى البرية
... وفجأة ودون سابق إنذار شعر بأعراض وعكة قلبية
على الفور إستشار أهل العلم الذين أوصوه بالعلاج وبعد أسبوع جراحة فى القلب
... إستقل سيارته وذهب للجراحة
وهو غارق فى أفكاره
... فلا أحد ينكر مدى الخطوره التى سيتعرض لها وهاجت عليه الأفكار بيأسها وتارة بأملها فقد تجاوز الستين من عمره وفرصة عودته الي أسرته ضعيفه
... حضر التمريض وألبسوه زي العمليات شعر وكأنه يلبس الزي الأحمر حيث نهايتة
... نقلوه على التروللى الي غرفة العمليات
... ورغم أن المسافه بين سريره وسرير العمليات لاتزيد عن عشرة أمتار إلا انها كانت أطول مسافه
فى حياته وأبطأها وقتا
... خلالها كان يرى العمال وكأنهم يلبسون زيا عسكريا
... ولمح الجراح علي باب العمليات وكأنه فى زى العشماى
... عاد به شريط ذكريات الستين عاما الماضية بكل نعيمها الذى كان يتمرغ فيه
... كل ذلك لم ولن ينفعه الآن إذا صعدت روحه الي السماء
... فكانت أقوي لحظات الصدق والمواجهه بين النفس الملهمه المطمئنه والنفس الأماره الطماعه
... تذكر أن شنطته كانت من أغلى جلود العالم
... تذكر أن ساعته كان بها فصوص من الماس
... تذكر أن سرواله كان مستوردا
... تذكر أن حذاءه كان على أحدث موده
... تذكر أن طعامه كان من أغلى الأطعمه وأشهاها
... لأول مره فهم الأمور على حقيقتها
... أن هذا هذا النعيم لاينفعه فى شئ بل وسيسأل عنه يوم القيامه من أين اكتسبه وفيما انفقه
... وأن حياة الإنسان ماهى إلا ورقه تبدأ بورقة وتنتهي بورقه ورقم فقط :
.. فشهادة الميلاد ورقه
.. وشهادة التطعيم ورقه
.. وشهادة النجاح ورقه
.. وشهادة التخرج ورقه
.. وعقد الزواج ورقه
.. وجواز السفر ورقه
.. ووثيقة ملگية البيت ورقة
.. وحسن السير والسلوك ورقه
.. ووصفة العلاج ورقه
.. والدعوة للمناسبات ورقه
.. والأهم شهادة وفاته ورقه وهى الورقه الوحيده التى لايراها ابدا
... أخيرا أيقن أن حياته عباره عن ورق في ورق تطويها الأيام وتمزقها الاحوال ثم ترميها
... نعم الدنيا كلها أوراق
... فكم حزن لورقة
وكم فرح لورقة
... والورقة الوحيدة التي لايمكن له ان يراها هي ورقة شهادة الوفاة
أيقن أن اللحظات التى مرت عليه وهو مطمئن النفس ومرتاح البال وينعم بأحبابه وهو سليم الصدر خال من الأوجاع والهموم هى أسعد اللحظات التى لايعوضها مال ولا جاه
... أيقن أن لا يحقرن من المعروف شيئا مهما بلغ من الصغر والحقاره
... فبعد لحظات من الموت سينام الظالم بجوار المظلوم والقاتل بجوار المقتول والسارق بجوار من سرقه والوزير بجوار الغفير والسيد بجوار خادمه
والمحتال بجوار من استغله
... ولا يعلم أحد يوم القيامة من سيكون منهم قريب الي الله
... أيقن أن الدنيا لاتستحق أي حرب نفسيه لا مع نفسك ولا مع غيرك فالدنيا متقلبه وكل يوم فى حال اليوم لك وغدا عليك
... أيقن أن الدنيا لاتساوى شيئا أمام العافيه وسكينة الروح وطمأنينة النفس والأمان وكفاية قوت اليوم
... أيقن أنها دنيئة ولاتساوى عند الله جناح بعوضه
... ولا يجب أن ننغمس في ملذاتها كما فعلت النملة بقطرة العسل
... أيقن أن العاقل هو من أرض ربه قبل ان يلقاه
.. وأنار قبره قبل أن يسكنه
.. وحاسب نفسه قبل أن يحاسب
... فاليوم عمل بلاحساب وغدا حساب بلا عمل
... فأعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا
.. واعمل لآخرتك كانك تموت غدا
... تذكر قول على بن ابي طالب رضي الله عنه:
.. أمران لا يدومان للمؤمن : " شبابه وقوته "
.. وأمران ينفعان كل مؤمن : " حسن الخلق وسماحة النفس "
.. وأمران يرفعان شأن المؤمن : " التواضع وقضاء حوائج الناس "
.. وأمران يدفعان البلاء : " الصدقة وصلة الأرحام
... دمعت عيناه ندما على مافاته
... وغاب عن من حوله ولم يستفيق الا وهو علي سرير العمليات وليته ما أفاق
... تحياتى ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق