صورة من فضاء عمري....
كنا نقضي الأيام التي لم نكن نذهب بها إلى المدرسة في أحضان الطبيعة نساعد في العمل الزراعي من حراثة وحصاد وجمع محصول على البيادر ومن ثم نقله إلى البيت وتخزينه في الحواصل وكثيرا ما كنا نقضي الليالي على البيادر نفترش القش والتبن ونلتحف السماء نمارس العابنا وشيطناتنا ونتلقى جزاؤنا من الكبار أما بشمطة إذن أو ضربة قضيب بسبب مقالب كنا نقوم بها مثل أخذ النير من بيدر فلان ووضعه على بيدر فلان وتبدأ صباحا المشاحنات بين الطرفين ثم يكتشفون اللعبة ونتلقى جزاؤنا. لم نكن نملك العابا سوى الكرة القماشية والدحل البلورية والسير على الأقدام ركضا أو مشيا لمسافات طويلة وتتويج الفائز ملك السباق ولا انسى طريق العين في الليالي القمرية الدافئة وارتال الصبايا والشباب والتجمع في ساحة العين وعقد حلقات الدبكة وتصدح الأصوات الجميلة بالغناء وترديد اغاني الدلعونة واللالاوالعتابا والميجنا واه يا ام الزلف وسكابا يادموع العين....الخ ولا تنتهي السهرة إلا بإشكالات يفتعلها أحدهم وتبدأ المشاجرة وننقسم إلى مجموعتين كل مجموعة مع طرف ولا يتوقف الشجار إلا بعقد حلقة رفع الجرن أو المدحلة ومن ينتصر يقود الجميع إلى منازلهم ويصبح راعيا للقطيع إلى أن يفوز عليه آخر فيأخذ منه عصا القيادة
كان يسود في القرية قانون اسمه قانون التكافل والتعاضد والتعاون بين أفراد الاسرة الواحدة وبين الاسر بعضها مع بعض
القوي يساعد الضعيف والذي عنده يعطي لمن ليس عنده فاذا اراد شاب الزواج وليس عند أهله مكان يسكن فيه يجتمع أهل القرية ويبنون له غرفة للسكن ويساهمون في إحياء حفلة عرس له. هذا القانون انتهى العمل فيه بعد أن أصبح جيلنا هو واجهة القرية وبعد أن دخلنا ما أسموه عصر التقدم والحداثةوتجاوزنا عصر الجهل والفقر والمرض
نعم تجاوزنا عصر الفقر المادي ولكننا دخلنا عصر الفقر الروحي والوجداني هذه الصورة لم تعد موجودة في قرى هذه الأيام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق