صرخت بأعلى صوتها " مللت هذا الروتين وهذا العمل و قلة المعروف"، الكل يحتاجني ولا أجد من يسد حاجتي، لم أعد أعرف ذاتي أنظر مطولا إلى المرآة، من هذه السيدة الغريبة؟
لماذا تنظر بذهول؟ أين ذهب ماء شبابها؟ كنت أعرفها جيدا يافعة تتقد حيوية ونشاطا، من يقف وراء ذبولها؟ أيكون الإصراف في العمل والجدية؟! أهو كذلك؟ أهو كذلك!
أيكون كثرة التفكير والتدبير؟! أتعب الم بها
أم هموم الحياة قد أثقلت كاهلها؟
صوت يأتي من الأعماق لا وقت للتأمل الواجبات كثيرة هذا اليوم والعمل بحصتين يزيد إرهاقها ، بين المطبخ والحمام والباحة و الأوراق تتشتت تتفتت، عمل، عمل، جري ملاحقة للزمن، من سينتصر؟
في الأخير تغادر البيت دون أن تمشط شعرها أو ترتب أوراقها، المهم أن تكون بقاعة الدرس قبل تلاميذها، أوف، ما أمتع هذه اللحظات بين التلاميذ، تنسى كل واجبات الدنيا تتحرر من كل القيود إلا قيود الدرس، تنتابها حيوية مكسوة بعناية إلاهية، أربع ساعات تمضي على قدم وساق بين ثمار قد أينعت ترمقها بعيون المحبة والاستعطاف والتساؤل والرغبة في نهل المزيد، يا إلاهي لهذه البراءة!
لا تنتبه إلى الزمن إلا مع رنين الجرس معلنا عن نهاية صفحة والاستعداد لصفحة جديدة وبين كل هذه الصفحات تنسى نفسها و حاجاتها، ماذا يسعدها،و كيف ترفه عن نفسها؟! المعدة محظوظة في كل الحالات، الكل يسعى لإرضائها بينما النفس في ضيم شديد، تحتاج للراحة والتجديد و التنفيس. كلنا نسير بمقولة" دعه يعمل دعه يمر"، حتى المواقع التواصلية باتت رتيبة ركيكة تزيد في قتلها بطريقة استلابية بطيئة، طالما حلمت بالأرقى وخططت له لكن دون تنفيذ أبقته حبرا على ورق، كم شجعت غيرها على التطوير و بقيت كغيرهامتشبثة بالأصفار كم داهمتها الأفكار الجميلة ووأدتها في المهاد، ستواصل على نفس النسق حتى تلتهما ألسنة الوهن. استفاقت، يوم إحالتها على شرف المهنة أنها لم تحقق ذاتها وسط مسيرة السنوات لولا اعترافات الأجيال التي كونتها بالمزية و حسن التمكن من التربية والتعليم و التأهيل، انفلتت دموعها حارة تنعى زمن العطاء الطويل، ستركن إلى الراحة بلا طموح.
مرت بعض الأشهر وفارقت الحياة مخلفة حسرة بقلوب الزميلات رددت صديقتها : هذا جزاء من لم يحسن رعاية نفسه وإحاطتها بالمودة والترفيه!
عاتبتها إحداهن ليس هذا وقت الانتقاد فالعزاء قائم،
أجابتها : أتقصدين عزاءها أم عزاءنا، متى نعتبر وكل الشمعات قد انطفأت بنفس الطريقة؟!
متى تفهم المرأة أنها كائن خلق ليستريح لا ليجاهد ويموت حاملا سلاحه؟!
انتحب الجميع إلا واحدا بقي مشدوها حائرا من سيختار بديلا عن الفقيدة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق