الشعور بالإمتنان
إن أسوأ ما يمكن أن يحدث لك هو أن تُهزم. عندما تشعر أنك شيء تافه وبلا قيمة. ليس في الكون شيء تافه، ليس في العالم شيء أو شخص ليس له قيمة؛ فالقيمة أمر نسبي، وأنت ذو قيمة بالنسبة لمن يحبك، بالتأكيد هناك من يحبك، وهم أكثر مما تتصور. لكن قيمتك الأساسية، قيمتك الحقيقية تستمد حياتها من نبعها الحقيقي، نبع محبتك واحترامك أنت لنفسك، واعتزازك بها. هذا هو الأساس الذي إن فقدته فقل على الدنيا السلام؛ فقد فقدت كل شيء.
ماذا يفعل الإنسان؟ إنه لحم ودم، وهذا اللحم والدم يضعفه هذا العالم المحسوس، تضعفه الإخفاقات، يضعفه الخوف الدفين المتعمق في خبايا الذات، من المستقبل ومن أشياء كثيرة. ذهن الإنسان يرهقه العجز عن السيطرة على مسارات الحياة المجنونة والسرعة الرهيبة للأحداث. نعم، كل هذا مرهق ومضنٍ، ولا يمكن أن ينجو منه الإنسان، إلا إذا أغلق عينيه عدة دقائق كل يوم ليتأمل فيرتاح من هذا الإرهاق. هذا الانفصال عن الأنا ضروري جداً. أن تراقب وتقيم أفعالك كما لو كنت شخصاً آخر. أن تنظر فيما يسبب لك الشعور بالألم، وتحصر تلك الأشياء وتضع الخطط لتجنبها.
وأن تنظر فيما يجلب لك السعادة فتستكثر منه ما دام أن كثرته لا تسبب الألم، وإلا فألحقه بسابقه؛ فلذة ساعة تجلب الألم بعدها، ليست بلذة بل هي بؤس.
إن البداية تكمن في الامتنان العميق لله الذي منحنا هذه الحياة الجميلة؛ فالشعور بالامتنان من الشروط الأساسية للسعادة، الامتنان لا يكون نافعاً إذا تحول إلى مجرد كلمات جوفاء لا نعنيها ولا نشعر بها.
وإن كنت لا ترى ما تحمد الله عليه، فالعيب في عيونك، غيّر نظرتك للأشياء، تتغير عندها الأشياء. يقول شاعر المهجر إيليا أبو ماضي:
هو عبء على الحياة ثقيلٌ … من يرى في الحياة عبئاً ثقيلا
والذي نفسه بغير جمال … لا يرى في الوجود شيئاً جميلا
كن ذا عين تعشق الجمال في كل شيء، فلا يقع بصرك على قبح الأشياء وقبح البشر.
تعمد أن تصرف بصرك، تعمد أن تكون حسن الظن، ولا تتوقع إلا الخير، ولا تكثر الحذر.
وفوق كل ذلك، يجب أن تنفصل تماماً عن الآخرين بشعورك، وأن تحفظ عقلك وقلبك من التأثير فيه.
الناس الطيبون الذين تميزوا بطهارة القلب يكونون في الغالب مرهفي الحس وذوي قابلية؛ لأنْ تجرحهم أذية القول والفعل. لهؤلاء أقول: إن ما يقوله الناس عنك، شأن لا يخصك، وليس من حقك التدخل فيه، ولا السؤال عنه. إن الإنسان الذي يشعر بالإهانة كلما سمع كلمة قيلت ضده هو إنسان تعيس، فكبار العقول لا تسمح لأحد أن يكون قاضياً على تصرفاتها، إن هذا هو بالفعل ما تصنعه عندما تصغي بألم لمن ينتقدك بهدف الإساءة والتجريح، إنك تنصبه قاضياً متحكماً في تصرفاتك وأقوالك وأفكارك، وحاكماً على شخصيتك. لا تعطِ هذا الشرف لأي إنسان كان، فأنت وحدك الحكم. أنت وحدك المسؤول عن كل نشاط تمارسه أو أي فكرة تتجول في جمجمتك. لا تعطِ هذا الحق لأي أحد، فهذه هي نقطة الانطلاق، ذاتك التي إن خسرتها خسرت كل شيء، وبقيت بائساً تعيساً.
ذاتك التي إن عرفت قدرها، وتعاملت معها بالتهذيب والاحترام نفسهما اللذين تتعامل بهما مع الغرباء، فقد كسبتها لصفك وعرفتَ طريق السعادة.
دكتور/ عبدالعزيز الرميلي النعمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق