الأربعاء، 21 ديسمبر 2022

ذاكرة عمري الصغير ٢ بقلم رابح بوصبيعة

 -- ذاكرة عمري الصغير--

                   (02)

(رسالةٌ طويلةٌ جدا ودموية جدا إلى صالح)


أتعرف يا صالح? إني أعرف أنك لن تستطيع التفوه بكلمة واحدة بعد قراءة رسالتي هذه.. و أنك ستشك في كل العواطف والمشاعر التي تحكم أفراد العائلة الواحدة، حين تعيش مع فرد تجهل ما حل به من فرد آخر، ستختلط مشاعرك..بمشاعر الذنوب ولن تفرق حينها بين الحب والكره.. بين الرحمة والقسوة،،سوف لن تبقى بشرا، آدميا ولو للحظات... وأن القراء الأعزاء الذين سيقرؤونها أيضا وتصلهم هته النسمات شهقات السنين الطويلة و دموع الحرمان والقهر الطويل، فإنهم لن يستطيعوا التفوه أيضا بكلمة واحدة .. وأيضا لن يستطيعوا حتى التعبير. عن مدى إعجابهم بها.. فلا أحد يستطيع أن يعجب بالألم والأسى والدموع .. كما أنهم مثلك تماما لن يستطيعوا حتى ذكرها فيما بينهم ولو كتعبير عن شيء غير قابل للوصف كل الناس يخفون عذاباتهم و دموعهم عن الآخرين.. فرسالتي غير القابلة للرد عليها.. ليست مجرد كلمات كتبها أحد في لحظة من لحظات التذكر والوجوم.. إنها عمر وجيل غير مألوف من الظلم والأسى، والحزن.. 

في عمري الشاب أرسلت قصيدة شعر إلى الإذاعة الجهوية بقسنطينة كانت تبث على الثانية صباحا برنامج شواطيء الانعتاق .. وكان صوت المذيع.. يعبر ليالي الربوع عبر الأثير مغردا هامسا: ماذا قدمت لنا عروس البحر؟ إنها محاولة للأخ الشاب.. ماذا عساني أقول لك يا أيها الأخ السيد أكتب القصيدة العمودية ثم بعدها قل ما شئت.. فقصيدتك من النوع النثري رغم روعة كلماتها إلا أنه بجب عليك كتابة الشعر الموزون لقد قرأت لك على صفحات الجرائد والمجلات الوطنية.. اكتب الموزون ثم بعدها قل ما شئت.. أرأيت طفلا يكبر دون أن يكبر؟ أرأيت طفلا يولد مباشرة في العشرين من عمره؟ يا أيها الأخ الشاب أكتب القصيدة العمودية ثم بعدها قل ماشئت ومرحبا بمحاولاتك دائما قلما على الدرب، وتذكر كلامي هذا أنه وبفضل مجهودك ستكون من الذين إذا نطقت، سكت الآخرون...

و سكت صوت المذيع.. و سمعت صوت هدير أمواج البحر و غزت قشعريرة جسدي.. كيف سأرد عليك أيها  المذيع المعتوه؟ من يعتقد نفسه هذه إهانة لي لماذا أرسلت له أفضل ماكتبت ليرميها في سلة المهملات؟  من قال لك أني لا أجيد كتابة الشعر الموزون أو القصيدة العمودية أيها المتعجرف؟.. إنه عصر الحداثة و التحرر من القيود والقطيعة مع الماضي أيها الغبي المتخلف .. تلك القصائد بناتي العزيزات نبضاتي وجودي وروحي التواقة إلى الانعتاق.. حياتي كلها.. إنها الحب الطاهر العفيف..كيف لا تقرأ هذه الكلمات الصافية المتلألئة؟ 

رحلت من سماي

من أفقي الهارب 

ودمعتي الهاربة 

تذكرتك يوما 

وفرّت دموعي إليك 

إلى بسمة مهاجرة 

عانقتك..

وعانقت بقايا الهمسات 

على أرصفة الأشواق 

في مثل هذا الليل 

وهذا الانتهاء..

رأيتك..

 على متن بسمة عابرة 

مهاجرة 

جاثمة على محيا القمر 

في ليلة دهماء

تطلب الضياء 

من عينيك 

من شفتيك 

انتظرتك 

وامتد حنيني إليك 

عبر رسالة كتبتها 

وصورة رسمتها..

.......

أيها الشاعر المعتوه إني أنا الطفل الذي يكبر دون أن يكبر، أنا من ولد مباشرة في العشرين من عمره فمن أعطاك هذا الحق في إنكار ما لم تعرفه أو تعشه؟ أيها الشاعر المعتوه الذي عاش حياته كلها مدللا ماذا تعرف أنت عن الطفولة..؟ وعن كيف يكبر الأطفال عندنا؟ لكنك أنصفت وقلت أني وبفضل مجهودي سأكون إذا نطقت سكت الآخرون وهذا كان عزائي في تلك الليلة المليئة بالخيبات كلها.. وتذكرت عمري الصغير الذي لا يعرف عنه المذيع شيئا فانفجرت عيناي شلالا منهمرا بالدموع .. لا تعرف الدموع يا أيها الشاعر المعتوه، ولا تعرف عمري الصغير..

               يتبع

..../....


         بقلم: رابح بوصبيعة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

تَبْكي العقيدةُ بقلم محمد الدبلي الفاطمي

تَبْكي العقيدةُ أمْستْ مُدَوّنةُ الإلْحادِ إصْلاحا  والجَهْل عَسْعَسَ بالظّلْماءِ طَوّاحا  والدّينُ حَرّفَهُ الأوْغادُ عنْ عَمَدٍ فأصْبَحَ ا...