جدتي مالي أراك تبكين وقد بلغت من العمر مائة وخمس من السنين و أنت تبرمين جدائلك بعجين الحناء هذا الذي كتب عليه ورق حناء الفاو
دعيها ابنتي؛ فهي اعتادت في صبيحة السادس من كانون الثاني من كل عام تتزين وتضع القليل من حناء الفاو
من هو " الفاو " امي؟ هل هو متجر في منطقة جنين
كلا ، جدتك تسمع كلامي الآن ولكن كبر سنها أفقدها الكلام منذ سنين طويلة ! هي تفهمني ولكن عيونها دليل قلبها.
سأقص عليك ما أخبرني به خالك قبل سنين طويلة
كنا ببلدتنا جنين نصحو من الفجر على زقزقة العصافير وهي تغزل أشعة الشمس بأجنحتها الصغيرة وتطير أمنياتنا فوق الأفق ومازلنا على هذه النعمة حتى داهمنا الغزاة من كل جانب
مقاومتنا لم تجدِ معهم نفعا ؛ فقد أخذونا على حين غفلة
بقينا على هذه الحال والألم يعصرنا من شدة الجزع فليس بأيدينا من شيء لنفعله، سوى الدعاء لله جل علاه أن يدفع شرهم عن بلدتنا!
لم يمضِ يومًا ويومين حتى سمعنا جحافل الجيش العراقي من مغاوير أشاوس صناديد بواسل .
تتوغل بين صفوفهم مفرقة شملهم ،مبعثرة عددهم ، مبعده آمالهم ، قاتلة أحلامهم ، مرعبة نومهم ، سارقة شجاعتهم و مبددة مشروعهم.
انجلت حمرة المعارك عن غبرة تراب اقدامهم وهم يلوذون بالفرار خوفا من شجاعة جيشنا الباسل والحرائر تهلل تغاريد النصر بين الأزقة والحارات .
ونحن بين سطوة الانتصار ونشوة الفرح رأيت أمي تبكي عند رأس جندي عراقي سقط ببابنا جريحًا مضرجًا بدمائه .
سحبته من معصميه بلطف شديد العناية وضمدت جراحه بعد أن ألبسته زي والدي .
بدا يستعيد وعيه ، احس بدفء البيت بعد إن طالع وجوهنا
العربية بملامحنا الحادة ومعانينا الجميلة!
سلم علينا وقال اعطوني حقيبتي تلك ، أخرج منها كيس من قماش الخام الأبيض !
خفنا عليه حسبناه قماش الكفن!
قال لا تخافوا ،: هذا كيس الحنا من أشجار البصرة وضعته لي والدتي .
قالت: دعِ ثمار زرعنا يلاطف بساتين مدينة جنين .
شممنا رائحة الحناء ، عطرها أخاذ ، لونها جميلة ، ملمسها ناعم .
قال لوالدتي: اصبغي به جدائلك كلما مر عليك مسامعنا
رجع مع من تبقى من زملائه إلى أرض الوطن
وظلت ذكراه تراود والدتي كلما مر عليها عيد الجيش العراقي
علاء العتابي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق