شباط 2023
قصة
ماريا لم تكن ترضى أن تشارك زميلاتها في حفلاتهم أو رحلاتهم، لا القريبة في ربوع فرنسا، ولا البعيدة في أنحاء أوروبا... كانت تدرك الفقر قابع في دارهم. والدها بالكاد يتحمل أعباء المنزل.
أمها خياطة ماهرة، لكنها كانت ترفض أغلب طلبات الزبائن لأن صحتها لم تكن تساعدها، لكنها تقبل بعض طلبات صديقاتها القلائل اللواتي تحبهم ويحبونها، تسهر الليالي حتى تخيط لهم أقمشتهم. وكان الجميع يشهدون لها بروعة أعمالها المتقنة...
ابنتها الكبيرة ماريا تخرجت تلك السنة في البكلوريا...
وهي هاوية دراسة تصميم الأزياء في الجامعة لتحقق ذاتها، وتكون اليد المساعدة لأمها...
المشكلة كانت مصاريف الجامعة، ومصاريف السكن بالعاصمة، وهذا محال بالنسبة لوضع أهلها المالي...
لكن الحلم كبير، والإمكانيات معدومة، لكن تصميم ماريا في تحقيق أحلامها فاق التصورات...
ذهبت إلى باريس واشتغلت في احد المطاعم تجلي الصحون وتقشر البطاطا خلال الليل،... وطالبة جامعية في النهار
ومنذ دخولها مشغل الخياطة، أظهرت تفوقا ملحوظاً، وذوقا ملفتاً.
كانت تسمع من رفيقاتها حلمهن بأن يمتلكن دور أزياء خاصة بهن، بالنسبة لماريا فكرة بأن تصبح صاحبة دار أزياء، تعتبر فكرة من المستحيلات بالنسبة إلى شابة فقيرة مثلها، ولكنها كانت تحلم في وظيفة مصممة أزياء...
مرت السنوات وتخرجت ماريا في الجامعة...
دار أزياء أعجبتهم رسومات الشابة، وتظاهروا بأنها رسومات عادية وقبلوا توظيف الشابة في مشغلهم. براتب مبتدئة...
حان العرض السنوي الذي تحييه تلك الدار...كان بين الحضور مصممين يمثلون دور أزياء كبيرة في العاصمة... أعجبتهم التصاميم. وعرفوا من وراء تلك النماذج البسيطة الرائعة.
عرضوا على ماريا رواتب مغرية، أكثر من التي كانت تحلم بها...
وبعد ذلك تنقلت في دور أزياء مختلفة من دار إلى دار، وكانت شهرتها تزداد اشراقا وخاصة بعدما سلطوا عليها أضواء المدينة وتصدرت صورها مجلات الأزياء... وأصبح راتبها كبيراً.
وأخيرا عرضت عليها شركة عالمية العمل فيها، طلبت هي راتبا خيالياً سنوياً لم تتقاضى مصممة أزياء مثله سابقاً...والشركة وافقت.
اشترت ماريا دار سكن كبيرة بالتقسيط في باريس، وأحضرت أهلها ليعيشوا معها، وسجلت أخوتها في أفضل المدارس والجامعات... وأبوها تقاعد، وصار يمضي أوقاته في الحدائق الجميلة في باريس...
أبن صاحب دار الأزياء تلك، أعجب في مصممة الأزياء وحاول الوصول إلى قلبها، لكن هي سدت منافذ قلبها ومنعت وصول الحب إلى حياتها... وخاصة مع هذا أبن أكبر دار أزياء في العاصمة، كانت تقول أنا موظفة لا يحق أن أفكر في عريس مثل خوان هذ الشاب النجم اللامع، ومن أكون أنا حتى أحلم بهذا الحلم الكبير...
في عرض تلك السنة وبعد النجاح المدوي...وبعد التصفيق الشديد المستمر...
ظهر صاحب الدار وهو يمسك بيد ماريا وقال أمام الجمهور، أنا أشكر الآنسة الموهبة ماريا، الحقيقة هي سر نجاح أزيائنا...
تشكرت ماريا صاحب دار الأزياء. وقالت: بصراحة أنا أدين بهذا النجاح إلى الجندي المجهول أمي، هي التي علمتني الابداع، لديها موهبة فطرية، ولا تزال حتى اليوم تساعدني في تركيز ما يجب تركيزه...
احضرت ماريا أمها من بين الجمهور إلى مدرج العرض...
وعلا تصفيق حاد عندما شاهدوا الدموع في عيني الام، وعيني ابنتها...
ظهرت إعلامية من بين الجمهور وقالت أنا أكتب في هذا المجال من سنين، بصراحة لم أجد أجمل من أزياء هذه المرأة أم ماريا واليوم سأكتب عن الأم وعن ابنتها الكثير...
ظهر خوان على المسرح أقصد أبن صاحب دار الأزياء الذي كان معجبا جدا في ماريا لدرجة العشق...
ركع الشاب على المسرح أمام الأم، وقال لها أرجوك أن تقبليني ابناً لك، لأن ابنتك ملكت قلبي وأرغب أن تكون شريكة حياتي...
قالت الأم، أنا أتشرف بك يا ابني، لكن الكلام لأبوها الجالس هناك وأشارت اليه...
أحضروا الأب المتعب إلى المنصة، وبارك إلى الشباب وإلى ابنته...
أخذ أبو سيمون الميكرفون وقال ألف مبروك لابني وابنتي ماريا، في الحقيقة لن أجد من يحافظ على نجاح هذه الدار ويجعلها تزداد بريقاً وضياءً أفضل من ماريا...وطلب محامي الشركة وقال له: أكتب شهادة ملكية لماريا وخوان، لأنه لا يوجد مثلها جديرة قادرة على الاستمرار في نجاح هذه الدار علا تصفيق حاد في الصالة... وتحول العرض إلى حفلة رقص ابتهاجا، وبعدها تمت إجراءات الإكليل الفخمة وما ترتب عليه...
أحلام ماريا اليوم تحققت بسبب هوايتها التي تعبت في تطويرها وتصميمها الفولاذي في تحقيق أحلامها، ودعاء أهلها لها بالتوفيق والنجاح...
أولادهما يتعلمون في أفضل مدارس باريس، والعائلة سعيدة بحياتها، والسبب الحقيقي هو وفاء خوان الذي تحوم حوله عديدات من عارضات الأزياء في مشغلهم المشهور والراقي. لكنه شهم مخلص.
مؤلف القصة: عبده داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق