بقلم :ماهر اللطيف
من الأفعال السيئة جدا في شهر رمضان المبارك التي تعد من قبل المكروهات - حسب رأيي طبعا- وحتى المنكرات العصبية المفرطة لدى الصائم وخاصة منهم الذكور - وباتت الظاهرة حاليا لدى الجنسين للأسف -، إذ يتحولون فجأة من أناس عاديين إلى آخرين لا تعرفهم يتطاير الشر من أفواههم وأجسادهم وكل مكوناتهم جراء أي حدث يقع معهم أو لهم وإن كانت تحية تبرز لهم أنها في غير محلها او بسمة يخالونها استهزاء أو مصطنعة، وما إليه...
وقد يرجع ذلك بنسبة كبيرة إلى تأثير النيكوتين وبقية مكونات السجائر الكيميائية على الجسد الذي يشعر بالحاجة إلى هذه المواد حينها ولا يستطيع إشباع نقصه منها لصيامه، لذا يفقد البدن توازنه وعقلانيته وهدوءه وكل صفاته العادية ويسبح في أتون الحاجة والرغبة في إشباع الشهوات والغرائز التي لا يمكن إشباعها وقتها لقداسة الشهر وتعاليمه وقوانينه الصارمة، فيصير أسير النقصان - وهي حالة تخدير وفشل وإحساس بالفراغ كتلك التي يشعر بها المدمن على المخدرات - وعبدا لها يسعى إلى تجاوز هذه الحالة بأية طريقة مهما كانت وكان مصدرها ومرجعها، لذلك تختلط داخله الأمور وتتشعب وتتعطل محركات دماغه وكل جسده وخاصة منها ما يتعلق بالفهم الإدراك، وتتشوه الحقائق والصور وكل الواقع ليضحي صاحبها فاقدا لكل توازن إلى أن يفقد إنسانيته ويتجرد من كل خصالها و ايجابياتها ويصير شبيها بالشيطان والعياذ بالله في كل أقواله وأفعاله...
نعم، يحصل ذلك لدى فئة من الناس وخاصة منهم المدخنين - وقد كنت منهم لعقود زمنية قبل أن اقلع عن هذه العادة بعد أن دفعت فاتورة باهظة الثمن - الذين يقبلون على التدخين بلهفة وشهوة إلى أن يصبح هذا "المارد" لدى الفرد إدمانا وحتى مسألة موت أو حياة، لذلك يفعل المدخن أي شيء مقابل الشعور بالتوازن والراحة التي لا تتأتي إلا بإشباع الغرائز وسد الحاجة إلى النيكوتين وبقية المكونات التي يطلبها الجسد ليواصل عمله وتواجده على الأرض.
فكيف يمكن تجاوز هذه الحالة و التغلب عليها وبالتالي القضاء عليها مرة واحدة و استرداد ما شوهه التدخين في الجسد وخاصة الرئتين وبقية الجهاز التنفسي والقلب والشرايين وغيرها من جهة، واتقاء مثل هذه العادات وما تنتجه من أفعال سيئة تضر بالفاعل والمفعول به الذي لم يقترف ذنبا يستحق ردة الفعل هذه التي يرجعها الفاعل إلى "حشيشة رمضان" كما نقول؟
في الحقيقة، فإن الجواب لن يرضي القارئ المدخن الذي سيتعلل باستحالة القيام بهذا الحل المتمثل في الإقلاع الفوري والتام عن التدخين، فأقول لهم إن "المستحيل غير موجود عند من يتوكل على الله و يؤمن بنفسه ومقدرته على تجاوز الصعاب والمحن"، وقد قمت بذلك مرة واحدة وتحديت تلك المرحلة الصعبة وآلام الرأس والصداع وارتخاء الجسد وغيرها من العلامات وقاومت لأيام قليلة تغير نفسيتي وشخصيتي التي شابهت المدمنين الذين يعانون نقص المخدرات، قبل أن أتعود واسترجع توازني وجسدي الذي بدأ في التعافي بمرور السنين إلى أن أصبحت لا أطيق رائحة السجائر و أتحاشى الجلوس في الأماكن العامة والخاصة الممتلئة بالمدخنين والروائح الكريهة المنبعثة من أفواه وسجائر مدمنيها - وما وأكثرهم للأسف وخاصة لدى الشباب الإناث في هذا العصر المتقلب -.
كما يمكن الاستعانة بالرياضة وبعض الأدوية المساعدة على ذلك وتحاشي الإقبال على الأكل دون ضوابط - وهو ما وقعت فيه للأسف - فيقع المقلع عن التدخين في معضلة "السمنة" ويسقط بالتالي في فخ جديد ستوجب العلاج وعيادة الأطباء باستمرار ...
. ولا ننسى أننا نرتكب خطأ فادحا قد يصل إلى مرتبة الإثم دينيا حين ندخن إذ قال الله في قرآنه العظيم "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" وكذلك "ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" و" ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" وغيرها من الآيات، وقوله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"...،لذلك وجب علينا الإقلاع عن هذه العادة والرجوع إلى الجادة عسانا نرضي الله بإرضائنا لعباده ما إن نكف عنهم آذانا وشرورنا المتأتية من هذه العادة السيئة.
علما وان التدخين لم يكن معروفا في الإسلام ولم تكن نبتته متواجدة آنذاك ، لذلك لم يذكرها القرآن ولا الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة، وكان أول معرفة بها في بلاد المسلمين في سنة ألف للهجرة تقريبا، عندها شاعت وانتشرت هذه النبتة وبدأ اختلاف الفقهاء في حكمها، فمنهم من رأى التدخين حرام، ومنهم من رآه حلالا، ومنهم من رآه مكروها، قبل أن يتفقوا على خطورة آثاره و أضراره على جسم الإنسان وصحته و اعتبروه بالتالي محرما شرعا، مثلما خلص العلم إلى ذلك أيضا وقام المختصون بالأبحاث والتجارب المتعددة التي أثبتت خطورة هذه الآفة وكثرة مخلفاتها والأمراض التي تتسبب فيها ومنها السرطان بمختلف أنواعه المؤدي إلى الموت الحتمي وإن طال الزمن بعد أن ينهك الجسد يعذبه أيما عذاب يطال المصاب وكل المحيطين به من قريب وبعيد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق