الثلاثاء، 23 مايو 2023

مركب الأوهام بقلم رفيعة الخزناجي

 مركب الأوهام 

نهضت الأم كعادتها باكرا لتحضر ما تيسر من قوت للعائلة ، الجو بارد وينذر بحلول الأمطار بتلك المنطقة الجبلية المطلة على البحر ، هي قرية صغيرة لا شيء فيها سوى الجبل وسفحه والبحر وأمواجه ، لا مصانع ولا معامل ، مدرسة صغيرة ومستوصف إسم بلا مسمى ، ومقعى صغيرة بل قل دكان شبه مقهى يلتقي فيهالرجال لبعض الوقت ، تقريبا لا حياة بالقرية ، معظم الرجال هجروها ، إما لخارج البلاد أو لمدن داخلها ؛ جهزت الأم الفطور واتجهت للغرفة لتوقظ سالم ابنها  آخر العنقود كما يقال ، لكن وللأسف وجدت الفراش فارغا ،  خرجت مسرعة للبهو الصغير فلم تجده نادته ونادته ولكن لا حياة لمن تنادي ؛ عادت أدراجها للبيت وبقيت تنتظر عودته ؛ مرت الساعات وسالم لم يعد ، الهدوء والسكون يعم القرية ، حتى أبناء الاجوار  لا ضجيج لهم ، استغربت الوضع واستنكرت هذا الهدوء ؛ ومااستطاعت صبرا ، قررت أن تخرج  وتستطلع الأمر ؛ وفي طريقها ، رأت الكثير يهرولون نحو البحر ، ازداد فضولها وأسرعت هي الأخرى نحو البحر ؛ الشاطيء يعج بالسكان والجميع ينادي باسم ابنه ويبتهل للمولى عز وجل أن ينجيهم ، البحر هائج والأمواج تتلاطم ، تعلو كما علو الصراخ ، العيون شاخصة  والأعناق مشرئبة والأيادي مممدودة لله ترجوه الرحمة ، اقتربت منها إحدى النسوة مندهشة وقالت : 

" ربي يسمعك خبر زين ، إن شاء الله ولدك من الناجين  " 

صعقت الأم لسماع ذلك و صرخت صرخة زلزلت المكان ، وبدأت بتمزيق ملابسها وهي تقول : 

"  كيف ذلك ؟  كيف لا أعلم أنه سيحرق ؟ كيف لم يخبرني ؟ ومن أين تحصل على المال ليقوم بهذا العمل الشنيع ؟ 

كيف ومن ساعده ؟ " 

انطلقت الأم في تساؤلاتها التي لم تنتهي وفي ابتهالاتها المتلعثمة واللانهائية وتحاول أن ترتمي بالبحر والناس يمنعونها  ويهدؤون من روعها ؛ مرت الساعات ، اقترب الليل .... حل الظلام  أشعلوا الأضواء ... طال الإنتظار وماأصعب ذلك على قلب الأمهات اللاتي تتحملن البرد والصقيع والمطر دون ملل ولا كلل ، ولا شيء بعد .... 

وفي الصباح ، ومع بزوغ أولى خيوط الضوء ، وانتهاء العاصفة ، رأوا أولى ضحايا المركب الملعون ؛ سارع الجميع لإخراجه من الماء .... كان سالم 

سالم حاول محاربة الفقر  والبطالة ، وحلم بالعيش السعيد خارج أسوار قريته التي ولد فيها وترعرع فيها وقدر الله له الموت فيها !


رفيعة الخزناجي /تونس

#هلوساتي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

غابة اللبلاب بقلم سامح رشاد

سامح رشاد  غابة اللبلاب. "ربما طَافني طَائِف واختَفى" هأنذا أطأ حوافّ المجرة بنصف عين قربة مائي سرقها اللصوص وكلما أمرُ على أهل قر...