مركب الأوهام
نهضت الأم كعادتها باكرا لتحضر ما تيسر من قوت للعائلة ، الجو بارد وينذر بحلول الأمطار بتلك المنطقة الجبلية المطلة على البحر ، هي قرية صغيرة لا شيء فيها سوى الجبل وسفحه والبحر وأمواجه ، لا مصانع ولا معامل ، مدرسة صغيرة ومستوصف إسم بلا مسمى ، ومقعى صغيرة بل قل دكان شبه مقهى يلتقي فيهالرجال لبعض الوقت ، تقريبا لا حياة بالقرية ، معظم الرجال هجروها ، إما لخارج البلاد أو لمدن داخلها ؛ جهزت الأم الفطور واتجهت للغرفة لتوقظ سالم ابنها آخر العنقود كما يقال ، لكن وللأسف وجدت الفراش فارغا ، خرجت مسرعة للبهو الصغير فلم تجده نادته ونادته ولكن لا حياة لمن تنادي ؛ عادت أدراجها للبيت وبقيت تنتظر عودته ؛ مرت الساعات وسالم لم يعد ، الهدوء والسكون يعم القرية ، حتى أبناء الاجوار لا ضجيج لهم ، استغربت الوضع واستنكرت هذا الهدوء ؛ ومااستطاعت صبرا ، قررت أن تخرج وتستطلع الأمر ؛ وفي طريقها ، رأت الكثير يهرولون نحو البحر ، ازداد فضولها وأسرعت هي الأخرى نحو البحر ؛ الشاطيء يعج بالسكان والجميع ينادي باسم ابنه ويبتهل للمولى عز وجل أن ينجيهم ، البحر هائج والأمواج تتلاطم ، تعلو كما علو الصراخ ، العيون شاخصة والأعناق مشرئبة والأيادي مممدودة لله ترجوه الرحمة ، اقتربت منها إحدى النسوة مندهشة وقالت :
" ربي يسمعك خبر زين ، إن شاء الله ولدك من الناجين "
صعقت الأم لسماع ذلك و صرخت صرخة زلزلت المكان ، وبدأت بتمزيق ملابسها وهي تقول :
" كيف ذلك ؟ كيف لا أعلم أنه سيحرق ؟ كيف لم يخبرني ؟ ومن أين تحصل على المال ليقوم بهذا العمل الشنيع ؟
كيف ومن ساعده ؟ "
انطلقت الأم في تساؤلاتها التي لم تنتهي وفي ابتهالاتها المتلعثمة واللانهائية وتحاول أن ترتمي بالبحر والناس يمنعونها ويهدؤون من روعها ؛ مرت الساعات ، اقترب الليل .... حل الظلام أشعلوا الأضواء ... طال الإنتظار وماأصعب ذلك على قلب الأمهات اللاتي تتحملن البرد والصقيع والمطر دون ملل ولا كلل ، ولا شيء بعد ....
وفي الصباح ، ومع بزوغ أولى خيوط الضوء ، وانتهاء العاصفة ، رأوا أولى ضحايا المركب الملعون ؛ سارع الجميع لإخراجه من الماء .... كان سالم
سالم حاول محاربة الفقر والبطالة ، وحلم بالعيش السعيد خارج أسوار قريته التي ولد فيها وترعرع فيها وقدر الله له الموت فيها !
رفيعة الخزناجي /تونس
#هلوساتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق