أحلام أنثى
الجزء الرابع
كانت دموع سحر تسيل من عينيها، وهي على متن الطائرة، كلما تذكرت أنها خدعت والديها، كذبت عليهما لأول مرة في حياتها... قالت لهما بأنها ذاهبة في رحلة قريبة، وستعود في المساء، بينما كانت هي ذاهبة في رحلة بعيدة، ولعدة أيام بصفة مضيفة طائرة...
المضيفة دلع واحدة من المضيفات، صاحبة نكتة آنية كيفما نطقت، كانت المضيفات يقهقهن ضحكا. حاولت جاهدت أن تضحك سحر لكن دون جدوى...
الكابتن سليم أعجب في جمال سحر. جاء إلى غرفة المضيفات، وقال: باعتبار سحر هي مضيفة متدربة، أرجو منكن أن تسمحن لها بخدمة غرفة الطيارين، هذا جزء من تدريباتها...
قالت دلع: أكيد. أكيد. كابتن... معك حق، ضحك الكابتن وضحكت المضيفات لكن سحر لم تنتبه لهذا الإطراء وماذا يستدل منه.
وصلوا باريس، ذهب جميع طاقم الطائرة إلى الفندق، دخلت سحر غرفتها، وأقفلت الباب خلفها واتصلت بأختها وقالت: أخبريني بالتفصيل الدقيق، ما الذي حدث بعدما غادرت البيت؟ أنا أكاد أجن من الذي فعلته مع أهلي: كيف حالهما؟
قالت هدى أرجوك يا أختي سامحيني اعفيني من تذكر تلك الأحداث...
أصرت سحر أن تعرف ماذا حصل في بيت أهلها بكل التفاصيل...
قالت هدى: الذي حدث تلك الليلة، لم يحدث في بيتنا يوما، بركان انفجر ثائرا يقذف حمما. دخل أبوك إلى المطبخ، أخذ يكسر جميع زجاجيات البيت على الأرض، فتح خزانتك ومزق ثيابك وهو يصيح ماتت سحر...ماتت سحر
أمك كانت تدعي عليك وتقول: يا عذراء أرجوك أن تسامحيني أنا مستاءة من ابنتي لدرجة الموت، ربما نحن السبب لم نحكم تربيتها كما يجب
في صباح اليوم التالي، ساد صمت حزين، أبوك لم ينطق بحرف واحد، كانت عيناه حمراوين، يبدو إنه لم ينم في تلك الليلة. وأمك كانت شاحبة وعيناها مغرقتان بالدموع،
قدمت لهما القهوة لم يلمساها...بعد صمت طويل، التفتت أمك نحوي وقالت: كل الحق عليك يا هدى، أنت وأختك خدعتمانا، أنت من شجعتها واوصلتها إلى المطار. أنت العاقلة، كيف ترتكبين مثل هذا الفعل الشائن؟ هل تريدين أن تضيعي أختك في شوارع العالم؟
قالت هدى: طالما أنتِ تصفينني بالبنت العاقلة. حسب قناعتي أختي تصرفت بحكمة، أرجوك اسمعيني بهدوء، هي وجدت عملا يحقق لها سعادتها، وأنتما تريدان أن تحطما لها هذه السعادة، لماذا؟ ما الخطأ الذي ارتكبته سحر حتى تعاملانها بهذا الشكل المخزي؟ أنتما اخترتما لها مهنة التعليم، وهي لا تحب العمل الوظيفي...
سحر وجدت حلمها، وأنتما تريدان تحطيم هذا الحلم الرائع الذي رأت فيه كل أمانيها ورغباتها الشبابية... هي ترى ذاتها تحلق فوق السحاب لتصل إلى النجوم... تجوب العالم وتدون ملاحظاتها اليومية بغية تأليف كتابا سياحيا شاملا عن شعوب العالم تفتقر مثله المكتبة العربية...هذا هو ما تنوي فعله وترمي إليه.
هي تريد أن تزور العالم وتحتك مع حضارات الشعوب المختلفة، بينما أنتم تريدون أن تحبسونها في المنزل، حتى يأتي العريس، وتدفعونها له وتتخلصوا من همها...وهو يأخذها إلى بيت العدل الذي لا يعنيها...
سحر خريجة جامعية، قادرة أن تميز بين الخير والشر، وتعرف كيف تسد النوافذ التي تأتي منها الرياح... أنتِ وأبي، تعرفان معدن سحر...فلماذا هذه الثورة التي تفعلانها. لماذا تريدان من سحر أن تلزم المنزل في أحضانكما؟
يا أهلي، سحر لها حياتها، وطموحاتها، ورغباتها، وحقها أن تشق طريقها المستقبلي الذي تحبه.
أنتما فعلتما ما عليكما، أوصلتمانا إلى بر الأمان،
ألف شكر لكما، عليكما أن تدركا بأن طريق حياتنا ملكنا نحن، نختاره، نعشقه، بحسب عقلنا وهواياتنا. والوزنات التي أعطانا إياها خالقنا...
صحيح أنا سأعمل في مهنة التعليم، لكن التعليم ليست المهنة التي تسعد قلبي وتفرحني، أنا أقنعت نفسي بما صادفني ولم أشعر بالفرح مثلما سحر تشعر به اليوم، هي ستعيش روعة حياتها وهي تطير فوق غيوم العالم، وتحاكي القمر والنجوم في الليالي، وتتمتع بنور الشمس التي لا تغيب، بينما السحاب ببلدنا كثيف يحجز ضياء الحياة...
أتخافان من مخاطر الطيران؟ أتظنان بأن أخطار الطائرات أكبر من الأخطار على الأرض. هنا السيارات المجنونة ذات النوافذ السوداء التي تحجب وجوه أولئك المجانين داخل سياراتهم المظلمة أخطر ألف مرة من الطائرات
يا أهلي ادعوا لابنتكما بالتوفيق والنجاح ذاك أفضل...
هي ستصل دمشق يوم الجمعة القادمة، وأنتما عليكما أن تستقبلانها، وغير ذلك ستفقدان ابنتكما ولا تعودان تريانها، لأنها ستجد من يفتح لها منزلا تبيت فيه، ابنتكما شابة جميلة جدا، وأولاد الظلام كثيرون في المجتمع، وأبناء النور هم الاستثناء
وعليكما أن تقررا قبل أن تصل ابنتكما، هل ستقفان بجانبها وتساعدانها؟ أم تقفا في وجهها وتسدان باب بيتكما أمامها، حينها ستخسرانها إلى الأبد؟
كاتب القصة: عبده داود
سورية \ النبك
إلى اللقاء في الحلقة الخامسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق