سجل أنا عربي
كتب محمود درويش بطاقة هوية فقال...
سجل أنا عربي
و رقم بطاقتي خمسون ألف
و أطفالي ثمانية
و تاسعهم سيأتي بعد صيف
فهل تغضب
وأقول....
سجل أنا عربي
منذ سبعون عاما ولدت
وما زلت على أرضي مجرد ضيف
ما زلت أبحث عن قبر يضم رفاتي
عن تذكرة عبور إلى الخلف
عشت أجيال
بلا بطاقة بلا عنوان
بلا بيت بلا سقف
هؤلاء أولادي
ترتيبهم دائماً في قانون أصدقائي وأعدائي
في آخر صف
سبعون عام
كلها أيامها شتاء
جل أيامها سوداء
وما زال دوري
لم يأتي بعد في كشف البناء
أبنائي بلا مدرسة
بلا كتاب بلا هوية
بلا أسماء
و أبي شيخ قعيد وأمي مريضة
أبحث لهما عن طعام
وورقة مشفى عن سرير ودواء
وأنا أبن أمة بضاعتها الكتب
وتجارتها تهريب العلوم
ونفي العلماء
أمة صناعتها
سيوف الخشب والدفوف
والطرب والغناء
سجل أنا العربي
أخا الخنساء
كل تاريخي مدح حاتم
وندب صخر
وقصائد غزل ورثاء
وكل مجدِ
يلخصه نشيد وهزة سيف
وضرب دفٍ ورقص نساء
سجل أنا العربي
منذ سبعون سنة
ألتحف كفني
أبحث عن مكان لقبري
وماء غسل
وأربعة فقراء
يحملوني ويصلون علي صلاة الجنازة
ويودعوني ببعض دعاء
سجل أنا العربي
أنا المتهم الأول في التاريخ
وكل العالم يسألني
من قتلت؟
وماذا سرقت من أشياء ؟
وأنا أبن بادية
ولدتُ ونشأت في العراء
وكل ما حولي رمال وصحراء
سجل أنا العربي
أنا المتهم وحدي
تحت القبة الزرقاء
أنا أبن قابيل
أول قاتل في التاريخ
وكل العالم حولي
من صلب هابيل والأنبياء
أنا العربي
أنا نيرون
أنا كل آلهة الفناء
أنا من حفر الأخاديد
وأحرق آلاف القديسيين والشهداء
أنا من صَلب المسيح عليه السلام
و طارد أمة العذراء
أنا من قتل ألف من الأنبياء !!!!!
أنا العربي
أنا من أشعل الحرب العالمية الأولى والثانية
أنا من قتلت ملايين الأبرياء
أنا هتلر وموسوليني
وكل هؤلاء الأشقياء
أنا من أستعمرت أفريقيا وآسيا والهند
وأستعبدت الدنيا والضعفاء والفقراء
أنا من القيت أول ذرية في التاريخ
وأنهيت الأمر بالثانية
فأحرقت الأخضر واليابس
وشوهت الأطفال والنساء
سجل أنا العربي
أنا جحيم التجارب النووية
أنا حرها وغبارها
وما فيها من وباء
أنا القاتل الأول
والعدو الأول
وكل مجرمي الدنيا براء
هذا سجِل جرائمي
وهذي أعترافاتي
أين آلهة عدلك
أين دساتيرك
أين محكمتك اللاهية
أين قضاتك الشرفاء
صب علي لعناتك
وأتهمني بالقديم والجديد
والقريب والبعيد
وما في غيب السماء
فأنا العربي منذ سبعين عاماً
ولدت مهزوماً
وما زلت مأمور
بالخضوع والخنوع
وبعض النفاق والرياء
تسلموا....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق