بقلمي : سليم عبدالله بابللي
من البحر الكامل
كيفَ السكوتُ مِنَ العيونِ يُلامُ
و الصمتُ في لغةِ الحكيم كلامُ
وتراهُ أقربَ للعيونِ فصاحةً
و اللحظُ في الشريان جالَ حُسامُ
ليطالَ ما عجزت عليهِ حروفُنا
فالطّرفُ طرفٌ و السلامُ سلامُ
وإذا رَمتْ في آنِ بارقةٍ رَمَت
عندَ الإرادةِ لا تخيبُ سهامُ
ما كانَ عجزاً ميلها لسكوتها
بل أعجزت عن شرحه أقلامُ
الصمتُ أفضلُ من معانٍ واربت
أو نصف رأيٍ إن طَغت أحكامُ
فالكلُّ يقرأ و القليلُ مُحَصِّلٌ
ما كان ما بين العيونِ هيامُ
الليلُ يبني في عروشٍ صامتاً
و الظّنَّ أنّ الكُلّ فيهِ نيامُ
إنّ السكوتَ يُعَدُّ خيرَ غنيمةٍ
إن زاحَ ما بينَ النفوسِ خِصامُ
ما كلُّ من رفَضَ الكلامَ بصامتٍ
تاريخ شعبٍ كم روت أصنامُ
كم من معانٍ قد تحدَّثَ صامتاً
و دعا النفوسَ إلى السُّموِّ صيامُ
فلكلِّ صمتٍ في النفوسِ مكانةً
و لِكُلِّ حرفٍ في الكلامِ مقامُ
و الخائنونَ فقد تحَدَّثَ صمتُهم
عن جُبنِهِم حينَ الشقيقُ يُضامُ
دفعَ الضميرُ لهُ الإتاوةَ من دَمٍ
و تناثرت حولَ الديار خيامُ
النارُ تأكلُ في اللحاءِ تعجرفاً
و الجذعُ في ظِلِّ السّعيرِ يُسامُ
كم قد يقاسي ذلك الفننُ الأذى
و يُمَرُّ ما مَرَّت عليهِ هوامُ
في سكتةِ الأوتارِ تَعبُرُ غيلةً
عندَ التّرنُّمِ في الهوى أنغامُ
تزدادُ شدواً حينَ وقعِ سُكوتها
تكسو المزاجَ أناقةٌ و رِخامُ
و تعيشُ فيهِ الآهُ أطيافَ المُنى
في كل مُنعطفٍ يطيبُ مقامُ
ما فازَ من يبقى لحقٍّ صامتاً
إنّ السُّكوتَ عن الحقوقِ حرامُ
إن شاحَ عمداًَ أو تَجاهلَ صامتاً
حتماً ستسري للورى أحكامُ
صمتُ الحكيمِ على السَّفيهِ مفازةٌ
ما نالَها عندَ الطِّعان هُمامُ
و الحرفُ فوقَ السطر يبدو صامتاً
بحديثهِ للعينِ شاعَ وِئامُ
و إذا سكونُ الليلِ أغدقَ سِحرَه
قد لا يُفيدُ النّفسَ فيهِ لِجامُ
يروي كؤوساً من يلوذُ برُكنهِ
قَدَرَ الهوى و تفاوتت أحجامُ
بينَ النّظائرِ أخذَهُم و عَطاءَهُم
كم بيّنت في صمتِها الأرقامُ
الصَّمتُ و الإفصاحُ ما لَزِمَ الهوى
إن صَحَّ رُشدٌ و السلامُ ختامُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق