الحلقة السابعة :
كان غضب ليث كالطوفان
جعل كل ما حوله يرتعد كمن أصابه الخوف و الجنون والحيرة والغموض اللذان يلفان الموقف الصعب الذي كان فيه فماكان منه إلا أن اتجه لسيلا سائلاً إياها بكل غضب : ألم يحن الوقت لتفكّي شيفرةَ هذا الاجتياح الهمجي الغير معقول ؟!
ولأول مرة تنفجر سيلا باكيةً من حجم الحب والعطف الذي يلفها ولم تتمالك نفسها وهي تبكي كالأطفال دون أن يستطيع أحد إيقافها فكانت تشهق شهقات يتزلزل لها الوجود وتبكي بحلاوة لم يعهدها قلبها وكأنها تغسل بدموعها كل الحقد والترسبات التي علقت بقلبها رغم محاولةِ ليث ووالدته إيقافها لكنها آثرت ان تنعزل لتشبع روحها العطشى من سيل هذه المشاعر المتدفقة التى حُرمت منها .
أغلقت باب غرفتها واستمر أنينها و بكاؤها لساعات ؛ و كان ليث يشعر بالندم لصراخه وتذمره الذين كان يعتقد أنهما سببا بكائها وما إن اقترب المساء حتى
اقتربت سيلا من ليث وأمه بخطوات فيها الكثير من التردد ثم جلست.... و رانَ صمتٌ مهيبٌ لبعض الوقت ..
ثم تنحنحت واعتدلت ونظرت إليهما بعينين لامعتين يملأهما المحبة والأمان والكثير من الامتنان ثم قالت : لم أعتقد أن الله سيعوضني كل هذا الكم الهائل من الدفء والحب الذي لم يألفه عقلي أو قلبي في البداية
وماكنت اعتقد ان ألطاف الله
أكبر و أوسع من حقد وجبروت البشر و أن تعويضه يفوق كل التصورات !!...
كانت أم ليث تشد على يدها
وكانت كلماتها كالشراب البارد المنعش في يوم ٍ حار يروي الظمأ .
كان ليث بوجهه المتعب يفتقد لبعض الدفء الذي لم يعرفه منذ سنوات وكانما الله يعوضهما بشراب سائغ ٍ للصابرين
تم تغيرت ملامحها و اشتد غضبها وهنا تدفقت حمم بركان سرِّها المدفون في أغوار قلبها الصغير الذي اثقلته الصعاب والمكائد وكان غوصها في تفاصيل الماضي هو الفيضان الجارف الذي قررت أن تُغرق فيه القرية وساكنيها المتمادين في الظلم منذ سنوات خاصةً وأنه قد حان الوقت المناسب لذلك .
وقبل أن تسرد ما بجعبتها طلبت من ليث أن يجمع كل أهالي القرية أمام باب القصر لتكون المواجهة ، وكان لها ما أرادت.
وصل جمع غفير من أهل القرية وليس لهم مفر فالاعتراض ليس في صالحهم. خرجت سيلا إلى شرفة القصر و وقفت بشموخها الذي لم تتنازل عنه يوماً رغم ظلمهم وقهرهم لها؛
ثم قالت : انظروا إلي انظروا إلي
أمعنوا النظر في دمامة وجهي
جيداً ، كم انا دميمة الخلق لكن ليس بحجم قبح وقساوة وغل قلوبكم وتابعت سيلا كلامها
انا بنت قريتكم الشريفة العفيفة والله شاهد وانتم تعرفون
ويحكم فليس هناك أكبر إفكاً عند الله من القذف والظلم واني ابنةُ الشرفاء فاسألوا قلوبكم لأني أطهر من الطهر وتذكروا ماضي أبي الجميل معكم من أغدق عليكم بعطفه وحبه و ما صنتم شرفه بل لطختموه وتكالبتم عليّ بظلمكم منذ سنوات خلت وطردتموني من بيتي وقريتي وانا لاحولَ لي ولا قوة
كدتم لي و تآمرتم عليّ بإبعادي في عز حاجتي لكم وأرسلتموني
إلى أدغال موحشة دون شفقة او رحمة ؛ لكن الله حفظني بحفظه وأغناني به عنكم وهو الملك الجيار المقتدر وإنه يمهل ولايهمل
فقد وجدت في مخلوقاته وأخطر حيوانات الغابة ما لم أجده في أصغر مخلوق منكم
والحمد الله الذي رعاني وحماني وعوضني بحب لا تفقهه عقولكم المريضة فأنتم تعلمون أنه باشارةٍ مني لن يبقى منكم أحد في هذه القرية وبقطيع واحد من الذئاب سيلتهم أشجع رجالكم وبمطاردة من بعض الوحوش ستهيمون على وجوهكم تائهين هاربين خائفين
كان ليث قد أخذ بندقيته و قاطع سيلا و الدم يغلي في عروقه
فقط مُريني يا سيلا وساشفي غليلك بطلقات رصاص تنهي
كل من آذوكِ ؛ ثم قال : كيف تُسمّون أنفسكم رجالاً وكان الأجدر لكم أن تصونوا أمانة وشرف رجل صادق محب كان من خيرة رجال القرية
كيف سوّلت لكم أنفسكم أن
تقذفوا بفتاة دون حول لها أو قوة و ترمونها رمية الكلاب بغابة موحشة؟!!!!
وازداد هيجانه وصراخه الذي
جعل الجميع يُطأطئون رؤوسم ثم نطق أكبرهم و زعيم قريتهم
: جل من لا يخطىء .
نعم جميعنا مخطئون و تمادينا كثيراً في ظلم سيلا ولكم ماترونه من قصاص .
نظرت سيلا إلى الجميع نظرة حقد وقالت : لن تنظفىء نار قلبي إلا بعد أن أرى عذابكم بأمِّ عيني
فاستعدوا جميعكم لما ينتظركم في هذا المساء .
ورغم أن الخوف يملأُ قلوبهم
إلا نهم لم يجرؤوا على الكلام
وأطلقت سيلا كلمتها وشعر الحميع بأصوات مختلفة تتجه كأنها ريح صرصر تحرك أشجار الغابة فماكان من الجميع إلا فروا إلى بيوتهم و قرروا في قرارة أنفسهم الهروب قبل أن تفترسهم وحوش الغابة كما تفترس طرائدها بإشارة من سيلا..
.. ورغم الرعب الذي يسيطر على الأجواء إلا أن الحقد في قلبها لم يعد له وجود وما بقلبها من تسامح وحب قد فاقَ أي شعورٍ آخر فدخولها لتلك القلوب المظلمة لهدف في قلبها لتحدث تغير في قلوبهم المريضة من غير تردد...
وكانت كلما تعمّقت داخل قلوبهم تسمع صدى الحقد في أعماقهم وحقاً لم تفقه من أين لهم بكل هذا الكم الهائل من القسوة لكنها مؤمنة بأن التسامح والحب هما طريق النجاة الوحيد .
و بعد تفرق الجمع من أمام باب القصر والخزي والعار يندي جبينهم
اقترب ليث من أمه وهمس لها
الأمر الذي أثار حفيظة سيلا !!!!
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق