– بعد ساعة من السير وقفت أمام الرابية تحيط بها أشجار مصفوفة بإتقان مختلفة الأنواع ، مزينة بالأغصان المتعانقة تضم بين جذوعها أزهارا متناسقة الألوان ، يفوح منها عطر يعطر قطعة الأرض برائحة الطيب الزكية تخالف هيئة ما حولها.
– لاح لي من بعيد محاطا بسرب من الطيور ومجموعة من العصافير تستأنس وحدته يحدثهم عن الأماني والأحلام يشاركهم الإنشاد والترنم ،لما إقتربت منه أكثر لم يحس بوقع أقدامي وإنما شعر بوجودي عندما تفرقت موسيقى الإستئناس مبتعدة عن سمعه معلنة له قدومي .
– إرتاح وخف للمعروف كاليتيم المشتاق لعطف من رجل كريم ، جلسنا هادئين كأن روحا خفية تسللت بيننا تأمر الصمت والحذر ، وإلتف نحوي وقال مبتسما :
جئت في الوقت أقر أنك صاحب مواعد .
سررت بكلماته وحدقت في عينيه وقلت :
إن صديقك حدثني كثيرا عن وقائع شبابكما وقصتك الحزينة .
نظر إلي نظرة المتعجب وعاد يحدثني بإهتمام والرقة تغمر لسانه مفعمة بالأماني والأحلام كأنه ظفر بسر سحري يعيده على أثير الذكرى إلى الأيام الخوالي .
– كان يتحدث من العمق متذكرا أطياف الأنس ، عن وقوفه أمام عواصف الدهر صامدا ناسيا ما تخبئه هواجع الحياة العمياء لكل عاشق ، عن الجمال وعلاقته بالروح ، عن المحبين ومرارة الحب بعدما تنفجر أعصاب الأوهام وتنكسر مجاذف الإبحار ، فيجد المحب نفسه أمام مرآة يرى فيها حقيقة نفسه محطمة هيئتها مغيرة ، وعن حرقته بها في الفضاء الأزرق .
– مضت تلك الأمسية متأوهة ألامها وأحزانها فوق الرابية بين الأشجار والأزهار ، وإنحدر قرص الشمس تاركا أثر قبلاته الحمراء على قمة الجبل الشامخ وملك الإحساس يتنفس أوجاعه ويقص أسراره عن التقارب واللقاء عن الحب والفراق .
–وبكل لطف ولباقة وجمالية إبتسم وقال :
غدا سأكمل لك بقية الأحداث ، وشفتاه ترتعشان قليلا ولم يزد شيئا ،فاستأذنته ومشيت نحو المنحدر وبقي قابعا فوق مسارح أفكاره بجانب ركام الأحداث يتأمل معالق وقائع قصته.
– في المنعرج إلتفت خلفي رمقت عينيه مازالتا تلاحقاني برؤية عجيبة التي لم أعرف محتواها ، واصلت السير وتركته حيث ينزف القلب ويضمد بالخلوة ، تحترق الروح وتشفى بالوحدة ، وأسدل الليل ستاره الأسود ولم تنتهي الحكاية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق