بقلمى : د/علوى القاضى.
... كانوا يراسلوننى وكثيرا ماكانوا يفتخرون بأنهم زاروا أبراج مثل برج خليفة أو برج ترامب أوناطحات سحاب والتقطوا لأنفسهم صورا أمامها وكنت لاأعيرهم إهتماما ولا أعبأ بقصصهم
... لأننى فى هذا الشأن كانت لى فلسفتى الخاصة ، فأنا لاتبهرني الأبراج ولاناطحات السحاب ، ولم أسأل يوما عن تأشيرات لمدن زجاجية المباني ، ولم أتمن يوما أن أعيش في الطابق الثلاثين داخل مدينة فائقة التكنولوجيا
... ولم أتخيل نفسي ألتقط صورة مع مبنى لا يُرى آخره لأنها مبان باردة ليس فيها غير الحوائط والزجاج ، تسيطر على ساكنيها وعليها المادة والدنيا ولا مجال فيها للروحانيات التى تربينا عليها وبالتالى ليس فيها معانى الدفء الروحى أوالنفسى
... التي تبهرني هي البيوت التى يملؤها الحب والحنان ، الدافئة بأهلها ، الصغيرة الواسعة فى نفس الوقت باتساع قلوب وصدور أصحابها ، وتسأل كيف يجتمع الضيق مع السعة ؟!
... أجيبك ، لوأنك زرتها ستعرف أن المساحة والراحة ليستا مرتبطتين ، كلما زادت بها الأنفُس الطيبة إرتاحت الأنفاس ، وصار أصحابها يسكنون صدور الآخرين بداخلها ، فتشعر أنها مع كل هذا الزحام لاتحمل إلاأجسادا إمتزجت وانصهرت أرواحها وأصبحت معبأة داخل بعضها ، بأرواح واحدة
... تبهرني المساكن الساكنة ، التي يجعلها ساكنوها قطعة من السماء ، فتشعر كلما دخلتها بأن صدرك يتسع ورئتك تتمدد ، وترتاح عينك للتفاصيل ، وترتاح بألوانها ،
وربما لم يدرس أحد من أهل البيت تدرجاتها ولادرجاتها ، لكنهم شعروا بالفطرة ماالذي يجعل البيت دافئا أكثر
... يبهرني الهدوء لاالضجيج ، وأشعة الشمس الممتدة كخيوط الذهب تمسح الأرائك كل صباح ، وشعاع الشمس الساقط فوق سجادة الصلاة دون إنقطاع ، والقناديل الخافتة المناسبة لضوء القمر مع المساء ، حتى إذا انطفأت أنوار البيت شعرت بأنك ترى النجوم في سقفه
... وهذا لايتأتى إلا لأنك حين دخلت ذلك البيت لم تعتبره محل إقامة بقدر ماإعتبرته مكان يجمعك مع من تحب ، ولاينبغي للشمس أن تدرك القمر في مكان واحد إلا فى كون فسيح ، ولوكان بين أربعة جدران
... تبهرنى صورة الأب المكافح الذى يملأ منزلة دفئا وحنانا ، تلك الصورة التى كانت دائما محل إنتقاد وهو عائد بعد عناء يوم طويل ويحمل أغراضه
... تبهرنى هذه الصورة بعد ماأتعبتنا الأيام وأتعبنا السعي ليل نهار والعمل المتواصل من الصباح للمساء يوميا غير جهد المواصلات
... تبهرنى صورة الزوج المثالي حينما يذهب لعمله من صباح يومه ، وهو عائد يبتاع أغراض بيته ويجتمع مع عائلتة لتناول الغذاء مع بعضهم البعض ويستريحوا ساعه ثم يصحوا ليشربوا الشاي ويشاهدوا المسلسلات ونشرة الأخبار وبعدها يذاكروا لأولادهم ويتكلم معهم ويحل مشاكلهم هو وزوجته
... الإبهار هنا يكمن فى أنها كانت هناك حياة وكانت هناك أسرة وكانت هناك تربية وإنتماء ومودة بين كل الأسرة ولايوجد أسرار ولاموبايلات تشغل كل منهم طوال يومه
... فعلا كانت أحلي أيام مع أحلي ناس ، هو ده الإبهار الحقيقى الترابط والعلاجات الأسرية والدفء العائلى ، والموده والرحمة والسكن ، هى دى البيوت اللى تبهرنى حتى لو كانت من تراب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق