الثلاثاء، 27 فبراير 2024

نسيء الظن ولا ندري بقلم صلاح الورتاني

نسيء الظن ولا ندري

العديد منا يقع في المحظور ولا يدري. من هذا المنطلق خامرتني فكرة الخوض في أهم موضوع ربما البعض لا يدرك مدى خطورته وهو سوء التقدير لدى العديد منا.
كم من مرة نشاهد أصحاب السيارات الفارهة فنتساءل من أين أتى بالمال؟ ربما كان مغتربا وتحصل على شهادة علمية خوّلت له عملا مناسبا أدرّ عليه مالا كثيرا سهّل له اقتناء مثل هذه السيارة. أو ربما تزوج من إمرأة أجنبية غنية أغدقت عليه من مالها.
في الطرف الآخر من المقهى تجلس إمرأة تحتسي قهوتها تنتظر من وعدها بعمل لأنها تعيل أسرة توفي عائلها زوجها وكل الأعين تنظر لها على أنها متشرّدة. عيناها تملؤها الدموع صبرها عيل من الانتظار ربما قد كذب عليها من وعدها.
فتاة جميلة تجلس آخر القسم مهمومة كاتمة ما في صدرها والدتها طلقها زوجها فراحت تجوب الشوارع َوالأنهج تلتقط القوارير البلاستيكية لبيعها لكسب لقمة عيشها وابنتها.
كل هذا ونظرتنا للمجتمع لا تتغيّر نسيء الظن ببعضنا ولا ندري ولا نقدّر مدى معاناة أصحابها مثلما ما هو حصل معي وصديقي رجل يلبس الثياب الفاخرة يحتسي قهوته دون الاهتمام بما حوله تجاسرت وتقدمت إليه وصديقي يصدّني لكني سلمت عليه وسألته هل لي بمعرفة سرّك سيدي وكلنا أسرار؟ في الأول امتنع وبعد إصراري قصّ عليّ قصته بأنه يعاني من مرض خبيث وأيامه معدودة بعد أن يئس الأطباء من شفائه. حينها بادرته بجرعة أمل وقلت له يا سيدي لا يأس مع الحياة كلنا معرّضون لهذا وثقتنا تبقى في الله كبيرة. عندها نظر لي وكأنه يخرج من بحر سحيق وقال لي صدقت فلنصبر على ما أصابنا ولا نيأس من رحمة الله. كم كانت فرحتي كبيرة وأنا أعيد له الأمل. فكم من ميؤوس عاش لزمن أطول وكم من قوي معافى الموت جاءه على عجل.
وهنا يستحضرني حديث قدسي لربنا الأعز الأجل عن الصبر والصابرين : من رضي بقضائي وصبر على بلوائي وقنع بعطائي بعثته يوم القيامة مع الصدّقين والشهداء والصالحين. ومن لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلوائي ولم يقنع بعطائي فليخرج من تحت سمائي وليتخذ له ربا سواي.
كم أنت عظيم يا إلهي بيدك الخير وأنك على كل شيء قدير ونحن الضعفاء لا نقدر حق الأشياء فنسيء الظن بالأشقياء ولا ندري من حيث لا ندري أننا بلهاء...

صلاح الورتاني / تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

ساقتني قدماي لدار موصد الأبواب بقلم مريم أمين أحمد إبراهيم

ساقتني قدماي لدار موصد الأبواب طاف صدى صوتي ينادي أين من كان بالدار من أحباب ؟ اعياني طول انتظار الجواب  غفوت فإذا بالذكرى تجسد الماضي  فما ...