الثلاثاء، 23 يوليو 2024

في جبلاية القرود«(3) بقلم علوي القاضي

«(3)»في جبلاية القرود«(3)»
** لاعيش لاحرية لاعدالة إجتماعية **
بقلمي : د/علوي القاضي.
... في الجزء الأول سردنا تجربة علماء النفس والإجتماع في جبلاية القرود ، وشاهدنا كيف أن غياب العدالة الإجتماعية يهدد السلم والأمن الإجتماعى ، وظهر ذلك جليا من ٱراء الحضور في ندوة المناقشة ، وعرضنا في الجزء الثاني معظم الٱراء ، وكان أبرزها من أحد الحضور أنه يعزو السبب فى إعتراض القرد على الخيار ليس إحساسه بالظلم ولكن لمقارنته الخضار بالفاكهة ، وكذلك رفضه لفكرة مساواة الإنسان بالحيوانات فى المشاعر وردود الأفعال ، والٱن نستكمل الحوارات 
... إتفقنا أن العدل أساس الملك ، ولوكانت لدينا هذه العدالة لصرنا كمعظم دول الغرب وعشنا بحب َوسلام ، وهذا يدل على أننا في واد وتعاليم الدين الإسلامي في واد ٱخر ، وصدق من قال ( هناك مسلمون بلا إسلام ، وهنا إسلام بلا مسلمين ) ، فأين نحن من قول رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم ( حب لأخيك ماتحب لنفسك ) ، وقوله ( والله لايؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم ) ، فكل هذا البغض والحسد بين البشر ، سببه فقدان العدالة الإجتماعية في مجتمعنا ، لوكنت من الحزب الحاكم ، فأنت لديك كل الصلاحيات والإمتيازات ، أما إذا كنت معارضا أومستقلا ، فلامناصب ولاإمتيازات ، وحتى أحزابنا الإسلامية للأسف الشديد لديها هذا المعيار في التعامل 
... العدل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، ولسنا في حاجة للتجارب ، ولايؤخذ من التجارب على القرود لأنهم محكومون بالغريزة وليس العقل ، ولكننا جعلنا القرٱن وسنة حبيبه خلف ظهورنا
... الإنسان كان يتمتع بالأخلاق الفطرية قبل الإسلام ، لقوله صل الله عليه وسلم ( جئت لأتمم مكارم الأخلاق ) ، لكن العدل والأخلاق والسلوك القويم يكتسبوا من التربية والبيئة ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( مامن مولود إلايولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أوينصرانه ، أويمجسانه )
... الموضوع ليس عدالة إجتماعية ، الموضوع عدم رضا وقناعة بقضاء الله وقدره ، نحن نظل سعداء بنعم الله ، حتي مايقع نظرنا على نعم غيرنا ، حينها نفقد القناعة ، ونخضع لمقارنات غير متكافئة
... هذه الفكرة ملغومة ولاأساس لها من الصحة ، حتى إن كانت ، فالكل يبحث عن المزيد ، ولايكتفي بشيئ ، فمن كان له واد من ذهب ، تمنى أن يكون له واديان ، وهذه هي طبيعة البشر ( الطمع )
... والعدالة مستويان ، عدالة إنسانية ، وعدالة إلٱهية ، فالعدالة الإنسانية والحيوانية كثيرا مايحكمها الغريزة والميول والمجاملات والعلاقات والعواطف والأحاسيس ، ولهذا فهي ليست عدالة مطلقة ولكنها عدالة أغيار ، أما العدالة الإلهية فهي عدالة مطلقة ، ولايمكن أن يشوبها أي ظلم أو لغط ، فإذا كنت تسأل عن العدالة ، فالإسلام هو الحل ، لأن منهجه وتشريعه ليس من وضع البشر ، ودورك كإنسان عاقل ، أن تتبع قول الله تعالى ( ولا تمدن عينيك لما متعنا به أزواجا منهم ) ، فكل له رزقه المحسوب ، وأنت يجب عليك تمييز ذلك فأنت لست قردا !
... وأنا طبعا مع تأييدي بقوة للعدالة الإجتماعية ، وسوف يحاسب عليها المسؤول عن تطبيقها ، ولكنني أتكلم عن الرضا من الناحية النفسية ، دى حقيقة ، ولكني أحزن على نفسي ، حينما أكون طبيبا وأبذل مجهودا غير عاديا بين المبانى وأقسام المستشفى ، من قسم لقسم ، من أجل أنقاذ أرواح البشر ، وهذا من صلب عملي ، ومن أول اليوم حتى ٱخره ، مجهود خارق لايعلم به إلا الله ، وفى الٱخر أحصل على قروش قليلة ، لاتتفق مع المجهود أوالإحتياجات أوالمستوى الإجتماعي ، سواء أثناء العمل أو حتى بعد الإحالة لسن المعاش ، فى نفس اللحظة ، أدخل فيها بنك أجد موظف خلف مكتب فخم وتكييف وكل شغله وهو جالس عمل إجراءات على كمبيوتر ، إحنا نفسنا بنعمله فى شغلنا ومرتبه يفوق مرتبى بمراحل ، غير مكافأة نهاية الخدمة مع العلم أنني كنت متفوقا عليه في الثانوية العامة ، وسنوات دراسته أقل من سنوات كليتى بسنوات ، غير مخاطر المهنة ، أنا لاأقلل من شأنه ، ولكني أوضح أين الخلل في تطبيق العدالة الإجتماعية ، ( أقول حسبي الله ونعم الوكيل ) ، وهناك المهندس الذي يعمل بالبترول وزميله مهندس فى مكان ٱخر ، نفس التمييز والفارق الكبير ، فما بال أجر الموظفين المتفاوت بشكل كبير بين الفئات من نفس الشهادة والجهد المبذول أكبر وأشق ، ولكن الأجر غير متساوي ، هذا هو حال موظفي معظم الدول الغير عادلة ، على الجانب الٱخر نجد الثراء الفاحش الذي يتمتع به فئة لاتزيد عن ٥ ٪ من السكان ، الذين يتعاملون بالملايين ، والباقي ٩٥٪ إما فقراء أو تحت خط الفقر الذين يتعاملون بالملاليم
... نرجع ونقول القسمة والنصيب والرزق من الله ، ولو هناك حاجة ليست من نصيبك ، لاتصلك مهما بذلت من جهد ، فالرزق نوعان رزق يطلبك ، وهذا من عند الله وسيأتيك دون مجهود منك بأمر الله ، ورزق تطلبه وهذا لايأتيك إلا بمجهودك ، والكل من عند الله ، فالعبرة من التجربة حسب زعمك أن كل منا يركز في النعمة التي عنده ، سواء موز أوخيار ولاينظر إلي نعمة غيره ويحمد ربنا 
... ومايحدث لإخواننا في غزه من ظلم ونحن عاجزون ، سواء بقصد أوغير قصد ، ونعوذ بالله من هذا العجز ، ونحن نرى إخواننا تحت هذا العذاب من إبادة جماعية ، قتل وتهجير وتجويع ، اللهم إنا نشكوا إليك ضعف قوتنا ، وقلة حيلتنا ، وهواننا على الناس ، أنت رب المستضعفين ، إن لم يكن بك علينا غضب فلا نبالى ، وأنت ربنا ، اللهم إنا نستودعك فلسطين وأهلها ، ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) ، فلا تتوقفوا عن الدعاء لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً
... ليست كل مساواة عدالة ، ونقض العهود والعقود ، ظلم ومفسدة ، والتمرد على الواقع للحصول على مزايا مثل الآخرين ، إعتراض على تدبير المولى عز وجل لعبيده ، وبطر النعمة بسبب النظر لما في يد الآخرين ، حسد يأكل صاحبه قبل المحسود
... نحن بشر لنا عقول ونحن مكلفون بأوامر شرعية ، يجب أن نستقيم عليها ، فليس شرطا أن تحصل في الحياة على نفس المزايا التي يحصل عليها غيرك لمجرد أن تعتقد أن ذلك من حقك ، وليس شرطا أن من يفوته في الدنيا شيء يحصل على أفضل منه في الآخرة ، فهناك ضوابط أخرى ، فالله هو المسير للكون والمدبر لشؤونه والمتصرف في أحواله الحكيم العليم الخبير مالك الملك 
... قصة القردين تعلمنا مبدأ الرضا والقناعة والتسليم لحكمة الله تعالى ، وأن من بطر نعمته ورفسها ، نزعت منه وحرم منها ولم ينل إلا ماقسم الله له
... وأما أصحاب الإعتراض والإحتجاج ، فهم أصحاب الحسد والثورات وتخريب البلدان ، تحقيفا لمآربهم وإشباعا لغرائزهم الدموية الحاقدة ، ولتبسيط الأمر ، إذا إتفقت على أجر على عمل مع صاحب عمل فأنهيت عملك وإستلمت أجرك ، فما دخلك إذا إتفق مع غيرك على نفس العمل بأجر أعلى ، هذا هو الحسد ، وبطر النعمة ، وعدم الرضا وإنعدام القناعة
... لو كان القردان محجوبان عن بعضهما لظل القرد الأول راض وسعيد بالخيار ، ولكن مشاهدته لتفضيل الحارس القرد الآخر هى التى أغضبته ، لأنه لم يفعل أكثر مما فعل الأول ، لأن المخلوق غيور بطبعه ، كان المفروض الحارس أعطى الإثنين نفس المكافئة ، طالما فعلو نفس المجهود ولايبقى الحارس متحيزا لطرف عن الآخر  
... ياسيدى ، العدل أساس الملك ، بالعدل أقيمت دول كانت معدومة ( إن الله يقيم دولة العدل ولو كانت كافرة ، ويهلك دولة الظلم ولو كانت مؤمنة ) لكنهم لايروا وجهة النظر هذه إطلاقا 
... القرد الأول هنا لم يرضى بنصيبه ، ونظر لما في يد غيره ، وهذا بطر على نعم الله وسخط وعدم رضا    
... الأصل أن الحقيقة لها وجه واحد وواضح ، وليس فيه خلاف ، لكننا خالفناها والحقيقة لاتموت أبدا ، وللاسف تاهت الحقيقة وسط الوجوه المزيفة ، ولايستطيع رؤيتها إلا أصحاب المبادىء الثابتة 
... ونسينا أو تناسينا أن العدل في الدنيا لايوجد كاملا ، وانما يستعمل كشعارات لبعض أشخاص للوصول إلى غاية ما ، الله هو العدل ، والعدل من عند الله ، فلاتتكلموا عن القيم المثلى والشعارات الرنانة ، تحدثوا عن الواقع كما هو موجود ، ولا تسردوا لنا القصص ، في الواقع لايوجد عدل ، عيشوا الواقع كما هو ، الدنيا عبارة عن إمتحانات نمر بها ، وبداية نهايتها الموت ، وبعده إما جنة أو نار
... وإلى لقاء فى الجزء الرابع والأخير
... تحياتى ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لعبة النسيان بقلم عبداللطيف قراوي

بقلمي عبد اللطيف قراوي  ***لعبة النسيان، ***، ألم الماضي يمحوه النسيان. ويطْوى صفحات الحرمان. وينجينا من براثن الهديان. قنطرة عظيمة. تنقلنا ...