—بقلمي فدوى گدور—
هل فعلا تأخرت الحافلة؟ أم هي طقوس ثأر ورد اعتبار؟
هنا بمحطة الانتظار، لا سقف، لا جدران ولا أسوار،
هنا لك كل الصلاحية، كل الحرية وكل الحقوق،
فلا داعي للقلق، أو التأفف، هنا لك حق أن تقرر وأن تختار،
أن تختار مقعدك دون رشوة أو مزايدة أو شجار،
هنا يمكنك أن تتجول بنظرك، وتتسكع في كل الاتجاهات سواء إلى اليمين أو إلى اليسار اليسار.
فلا مراقبة رادار هنا ولا ضريبة على الإبصار،
لكن توخ الحذر، تأنّى، ففي العجلة إهانة وإذلال،
ألجم فضولك المغوار،
فربما تصطدم عيناك بمنظر بشع، فيسقطهما أرضا، وبين الأقدام مذلولا ستبحث عن مدثر وتتمتم: يا ستار.
تمهل، لا زال الوقت صبيا، يمكننك أن تشعل سيجارتك البيضاء وتحترقا معا، وبتروٍّ ، فلن تبالي بكما الساعة، لقد تكسرت عقاربها وصلبوها على عمود حديدي، كان مشروع برج، ولكن تم نسيانه وطيه بين الملفات، ربما بسبب عطل في الذاكرة أو خصاص في الميزانية ،
تأمل الواقع برؤية، ثم ابتهل، تمعن في تقاسيم الشقاء على وجوه المسافرين، وترجل، فلن يحاسبك أحد على التأخير والعبث والإستهتار، ولا على الحملقة والفضول،
حتى الديجور مزال ينمو ببطئ، كفطر تحت ظل الحافلات،
والنهار يجلس أقعى، يتسلى، يلعب لعبته المفضلة، وهي تشتيت الأحجار ثم إعادة لم شملها واحدة تلو أخرى، مثنى، ثلاث ورباع، حسب الحجم لا حسب الأدوار.
كراسي إسمنتية نسي المستعمر أن يأخذها معه، ربما تركها لنا كهدية أو استغنى عنها لثقلها، كراسي متقدة كأنها مواقد نار، يمكنك الجلوس عليها إذا كان في رحمك صقيع يتنظر المخاض،
هنا لن تحتاج لعملية قيصرية، ولا لدفع الأموال مقابل فواتير الاستشفاء والايجار.
هنا الولادة سلسلة، مجانية، وبكل احترام وتقدير وشفافية، لن يشتمك أحد، لن تتشفى فيك الممرضة، لن تذكرك بالذنب الذي اقترفته حين كنت في حميمية بيولوجية من أجل الإعمار. هنا لا إذلال ولا احتقار،
هنا يمكنك قضم أظافرك ومضغ أكمام قميصك، واحتساء ريق حلقك، ونكس جيوب أنفك، وإفراغ الغازات من أمعائك، تلك التي تستفز وقارك كل وقت وحين، وتهددك في أي لحظة بالانفجار.
هنا لك كل الحقوق.
رصيف متوهج برائحة بنزين مهرب ممزوج بقار مستورد، وبقايا تجشئ من صنع محلي، كل هذا يجعلك تشعر بالتفرد وبالافتخار، لأنه لم ينل منك ذاك الدوار، ومازلت تقاوم بكامل قواك
وبكل وعيك.
حقائب ممتلئة بالملل، تراه يصارع السلاسل ويمزقها، بلا كلل كمجذوب يعشق شرب الماء المغلي، والترنح على أنين المزمار،
هنا على هذا الرصيف الأغر، يحترق الأمل ببطئ ويتبخر، يتعرى الحلم، ليأخذ حمام شمس فيلفحه الشعاع الحار ،
هنا تنضج الأفكار على مهل وتصبح جاهزة للاستهلاك، هنا جهنم ومآل من يكفر بالاستقرار.
من يزعم أن البقاء على حال محال، وأن النمطية إثم وعار.
سألته المسافرة: متى تنطلق الحافلة؟
أجابها السائق: إلى أجل أن يصرخ المنبه ويعلن الاقلاع.
يمكنك الانتظار أو الاندثار .
بقلمي فدوى گدور
اللوحة المرافقة من أعمالي الفنية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق