الجمعة، 9 أغسطس 2024

لا تصدقوا أن الإنسان ينسى بسرعة بقلم محمد آبو ياسين

لا تصدقوا أن الإنسان ينسى بسرعة
هذا الكائن العجيب - الإنسان - قد ينسى موعدا قطعه الصباح ليدركه عند المساء ، للوهلة الأولى ستكون حجته : لقد نسيت . و قد يضع المرء هاتفه في مكان ما و بعد لحظات تجده يبحث عنه و يجهِدُ نفسه في التفكير أين وضعه آخر مرة !! ثم يقول : لست أدري ... لقد نسيت !! و من الأشياء التي تعاظم تكرارها بين الناس في هذا الزمان ، أن يكون مفتاح البيت أو السيارة بين يدي صاحبها و في نفس الوقت تجده مذعورا يبحث مضطربا يقلب وجهه ذات اليمين و ذات الشمال يبحث في الأرض عن تلك المفاتيح و لا يستفيق من هذه الحالة إلا إذا أشار إليه من يحاذيه بأن ما يبحث عنه يحمله بين يديه ، فيضرب رأسه بيده معاتبا نفسه عن هذه الحالةِ المزعجةِ المتكررة .
أما إذا تذكرت أيام الطفولة و الصبا ، و فتحت نافذة الذكريات ، فسوف تجد نفسك في قلب الحدث لتلك الفترة البعيدة و تعيش أحداثها من جديد و كأنك فتحت شريطا وثائقيا و أبتدأت تشاهده من جديد . و كيف لا و أنت مازلت تتذكر أدق التفاصيل لأوقات اللعب مع الأتراب و تتذكر جيدا أسماءهم فردا فردا ، و خصومتك مع أحدهم و كيف وقع التصالح ، و ماذا شربتم و ماذا أكلتم و حتى تفاصيل عن اللباس لم تكن غائبة عن مخيلتك و كيف هي نشيطة عند الغوص في أعماق الذكريات ، إنه لأمر عجيب أن يتذكر الإنسان طعم قطعة الحلوى التي إشتراها منذ خمسون سنة من دكان الحيّ و أن يتذكر صفعة معلِّمِهِ في الفصل أيام دراسته بالسنوات الأولى من تعليمه و يستشعر الألم الذي ذاقه وقتها و لن ينساه أبدا ، و لون المعطف الذي إشتراه والده في العيد و ضحكاته مع أمه و هي تلبِسُِهُ ثيابه و صوتها مازال يرنُّ في مسامعه ، و تزداد الذكريات تدفقا كلما كان الغوص أعمق و هذا العقل البشري مهما كان الزمن بعيدا فهو لا ينسى من أحسن إليه و كذلك لن ينسى أبدا من أساء إليه .
محمد آبو ياسين / تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

ملكة الياسمين بقلم فاطمة حرفوش

" ملكة الياسمين" دمشقُ يادرةَ الشرقِ وعطرَ الزمانِ  ياإسطورةَ الحبِ ورمزَ العنفوانِ لا عتباً عليك حبيبتي إن غدرَ بك الطغاةُ وأوصدو...