الاثنين، 19 أغسطس 2024

مقال نقدي للأستاذة نوارة نور حول كتاب جبر الخواطر للأستاذة وفاء داري

 بقلم  الأكاديمية د. نوارة نور 

ناقدة في الأدب العربي الحديث من فلسطين

مقال نقدي حول كتاب” جبر الخواطر ” للكاتبة والباحثة وفاء داري


تُعتَبر الكاتبة وفاء شاهر داري من الكاتبات الواعدات في مجاليّ البحث العلميّ والأدبيّ والنثري، وبعد أن خط القلم والفكر والخيال عملين متتاليين “صورة البطل في قصص أطفال فلسطين”، والتي سبق وقدّ كَتبتُ عن هذةِ الدِراسَة المُوسَعة والعَميقة لأهميتها البحثية والوطنية على صعيد القضية الفلسطينية والعربية، ومن ثم كِتاب “العنقاء تروي قصصًا وعبرًا”، حيث شاركا في معرض الكتاب الدولي في كل من فلسطين، الشارقة، القاهرة، العراق، مسقط عام ٢٠٢٣/٢٠٢٤.  وَثَالِثْهُمَا “جبر خواطر”الجزء الأول والمشارك في معرض الصاوي بمصر في اغسطس ٢٠٢٤ ومعرض القاهرة الدولي للكتاب في يناير ٢٠٢٥، وَرَابِعُهُمَا  “العقد الثمين مِنَ الحكمة والوعظ المبين، وخامِسُهُما فِي الأفقِ القريب الجزء الثاني من كتاب (جبر الخواطر) بعنوان ” إطلالات” كما أُصدِرَ لها العَدِيد من المَقالات حوّل قِراءاتٍ تَحليليةٍ  لِعَددٍ من الرواياتِ والمَجموعاتِ القِصَصِيةِ في عِدة مَجالات أدبيّة، والتي نُشِرَت على صَعيد واسِع في وَسَائل الإعلام والصحافة الأدبية الورقية والإلكترونية، أَجِدُ نَفْسِي اليوم أُقَدِّمُ للقارئ بَاكُورَةً جديدةً من إبداع كاتبة وباحثة أكاديمية متفردة وأيقونة مقدسية تُغردُ خارجَ الِسرب من الخطرات النثرية يَسِيلُ شُعَاعًا، ويتدفق وجدًا رَقِيقًا.


"جبر الخواطر” وهو عبارة عن جزئين، نشر الجزء الأول بعنوان “جبر الخواطر” ويقع  في مئة صفحة من الحجم المتوسط عن دار النشر ولاء للتوزيع والنشر، والجزء الثاني في الأفق القريب بعنوان ” إطلالات”. وبعد الإطلاع  وقراءة كلاهما، وجدتُ في كلا الجزئين، أغلَب الخَطرات النَثرية جَاءت بِصياغات عَديدة، شَملت الجِندر ومن جَميع الشَرائِح ، فَمَثَلَت (الرجل والمرأة ) الأم، الأب، الزوجة، الأخت، والصديق، الإبن البار والضال، الحبيبة والحبيب، وأوجاع الوطن، ولامَسَت حالات اجتماعية إنسانية شتى، مثلت الفرحَ والحزنَ، الخذلان، الأمل والشجاعة. 

كتاب يحتضن الثكالى والحزانى، المنكوبين المتلعثمين من ثقل الحياة، المتفائلين رغم مرارة العيش، المبتسمين والعاشقين للحياة، تَضُمُ حروفه عذابات آدم وأنين حواء وأوجاعَ الوطن، في توليفة إبداعية جَمعت شَتى أشكال الورود في بستانٍ أدبيٍ واحدٍ بتركيبة متناسقة وبلغة سلسة، تحاكي الواقع والخيال دون ارباكٍ للقارئ، يجمع الكثير من ثمار الأجناس الأدبية، يشمل الومضة والخطرات النثرية والشذرات والقصائد، وهي أفكار ذات بُعد أخلاقي وتوعوي ونفسي ووطني وغيره يستسيغها المتذوقون للأدب بكل أجناسه ومناهجه وأساليبه، حيث كل نص يمثل لوحة فنية معبرة، وقصة سردية نابضة، محملة أفكارًا متجددة تحاكي حالات عدة، يربتُ كل منها على كتف هذا ويمسح دمعة تلك، ويُصَبّر هؤلاء ويَشُدُّ على أيادي أولئك ويرفع رايات النصر المرتقبة رغم محاولات بترها والتي لا زالت صامدة. 

قَدَمت الكاتبة للقَارِئ بَاقَةً مِنْ نفحات الأشعار والخطرات…مِنْ باقات زَهْر يَتَفَتّح ناشرة أريجها بين المَلَأ فَتُصْبِح مُلْكًا للجميع  ذلك الكتاب…القلب الذي كاد أن يتسع ويربت بالجبر على كتف الجميع، ويأمل أن تَسعه رحمة الله وتملئ بالجبر صفحات كاتبته الأجر والثواب، كما ذكرت الكاتبة في مقدمة كتابها والذي يحمل ما يقارِبَ ثمانُون خاطِرة من الخَطرات النَثرية، بُستان ورود عبقها مُغاير، بعيدًا عن المألوف والرتابة التي أُتخِمَ القارئ مِنها، في عصر أصبح القارئ المُتذوق يفَتش عن نص مدهش وأدب فيه أصالة.


العنوان: 

للعنوان دلالات واضحة لا تحتاج لأبعاد أو عمق لتفسيرها لبساطتها، ومن ضمن المعانِ في جبر الخواطر؛ هي إصلاح النفوس بالمعروف ماديًا ومعنويًا، وتطيب القلوب بالكلمة الطيبة وإدخال البهجة عليها والسرور، وتقديم الدعم الإنساني لكل محتاج. ومن هذا المنطلق القريب جدًا لرسالة الكاتبة الجلي في طرحها ونصوصها في كتابها والموجز في عنوانه.


الأسلوب الفني والبناء: 

حرصت الكاتبة على شفافية اللغة وبساطتها، كما اعتمدت أيضًا الرمزية في النصوص، و ترك المجال مفتوحًا لأسلوب التأويل والتكثيف لا سيما أن الكثير من النصوص لا تحدد مخاطبًا بعينه، تنزع بجانب منها إلى الغموض الذي يستفز القارئ للبحث في دواخل النص وفهم المعاني التي تحتملها الجمل تارةً، وفي شفافيتها ووضوحها وسلاستها تارةً أخرى، لتترك القارئ في متعة التحليل والخيال، في توليفةٍ مميزةٍ في جمع أجناس وأساليب أدبية خطته الكاتبة بإبداع دون تشتيت المتلقي. 

وتميزت الجوانب اللغوية بالإلمام باللغة وإخضاع النص لمعايير أدبية من ناحية المضمون والتراكيب اللغوية والرمزية، لعل أهمّها الأسلوب المستحدث واللّغة السّلسة المنمّقة بالمحسّنات اللّغوية، الصّور الشعرية والنثريّة المبتكرة بمواضيع جذابة لإهتمام المتلقّي، كما تميزت النصوص في بروز عناصر الصور البيانية وأغراضها البلاغية والإبهار والإدهاش وإستعمال الرموز..

أهم الجوانب التي تركزت أيضًا عليها الخطرات النثرية في الكتاب الجانب النفسي والروحي والوعظي والتوعوي والوطني، فإن الأدب في حقيقته عبارة عن عملية إستقبال حسية تعقبها عملية إرسال نفسية بين الأديب و المتلقي و التفاعل المتبادل بينهما، وهنا يحدث الفرق بين قصيدة نثرية أو شعرية وأخرى، فنرى بعض الخطرات لا تهز غير الحواس الخارجية فقط للمتلقي، وأخرى تهز الحواس الخارجية والداخلية و تطرق أبواب الشعور بصدق وأصالة، والنوع الأخير هو المطلوب. 

إن يستطيع الكاتب/ة أن يمتلك أو تمتلك موهبة الأداء النفسي فهو امتلاك القدرة على التعبير الصادق ليبلغ هدفه المنشود، إن الأداء لا يكتمل معناه إلا من خلال (الصدق الشعوري والصدق الفني)، أما الصدق الشعوري فهو ذلك التجاوب بين التجربة الحسية وبين مصدر الإثارة، أحدهما نفسي منطلق من أعماق الشعور، والآخر حسي منطلق من آفاق الحياة والواقع. وهذا ما أبدعت فيه الكاتبة في كثير من نصوصها الأدبية، أما الصدق الفني فميدانه التعبير عن دوافع هذا الإحساس بحيث يستطيع الكاتب/ة أن يغلف تجاربه الشعرية/ النثرية بغلاف ملائم ويجعل من ضمن نصه ذلك البناء المناسب من إيحائية الصور بأنواعها المتعددة (البصرية و السمعية و التذوقية والحسية …وغيرها)، وهذا ما أجادته أنامل الكاتبة في خطرات هذا الكتاب وكان فيه أيضًا من الجرأة والوضوح ونقاء السَّجِيَّة وَصِدْق النِّيّة… فكان هذا الكتاب عَزْفًا موسيقيًا عَلى أوْتَار السِّحْر، ونغمات أجراس للحقيقة في فَضَاءَات الصّحَارِي، ومحاولةً لاستِنْبَات أشجار بَاسِقَةٍ على أنْقَاضِ شَظَف العيش وقسوة الحياة.


أما الجزء الثاني “اطلالات” فتطرق بشكل موسع للأدب النسوي والنفسي الشعوري، والتي تجلت في الإسهام النسائي البارز في المجال الأدبي وشملت محاور كثيرة منها الذي يكتبه الرجل والمرأة على حد سواء، والذي يكشف بشكل واضح عن كافة أشكال المشاعر من العنصرية، القمع، والتهميش للمرأة في المجتمع الذكوري. 

كما تطرقت بلسان الذكورة من مشاعر مرهفة وخذلان وعذابات، أنصفت الرجل والمرأة على حد سواء في كتاباتها فكانت صوتًا لكليهما، وكانت نموذجًا مميزًا للمساواة الفكرية والأدبية على صعيد الجندر، والتي تجلت في الخواطر النثرية للجزء الثاني، للمساعدة في تمييز مشاعر ونوايا الآخرين وهي المهارة التي تشكل جوهرًا لفهم العلاقات الاجتماعية.


أما سلبيات كتاب “جبر الخواطر” فكان في صفحاته القليلة والتي لم تتعدَ ثمانًا  وثمانين صفحة للمحتوى الفعلي للنصوص الأدبية (الخطرات النثرية)، والتي دمجت الوطني والحسي والاخلاقي والشعوري الحسي العاطفي والتوعوي والوعظي والنسوي والخاص والعام والجندر والحالات الاجتماعية، وكان كمن يقضم قضمة صغيرة من كعكة لذيذة المذاق فلا يكتفي، ومن جانب آخر كان يجب عنونة الأجناس بفصول وليس الاكتفاء بعنوان عام لكل جنس من الأجناس الأدبية … مثل عنوان : (شذرات قلم / القريبون من القلب / أجراس الحرب) . والذي لربما لا يميزها جميع القراء بشكل واضح. 


وأخيرًا …  هذا الكتاب يتَفَجّرُ منه نبع وطني وانتماء من قلب شرقي القُدس وما يحمله من وعي وثقافة لِيَمُدَّ اللغة العربية بِمِدَادٍ من الإبداع الراقي فيه من اللغة الشعرية والنثرية، واهتزازاتٍ وجدانيةٍ، وَجُمَلٍ مسبوكةٍ سَبَكَهَا الخيال وَدَبَّجَتْهَاً العاطفة والعقل والحكمة وانطلق بها الْفِكْرُ الشَّرُودُ . فجاء  هذا الكتاب…َبَعْدَ أن انعَقَدَتْ خمائره، وما انبثق عنه من الحكمة والمنطق والصور الرائعة، وترجمة رقيقة لنجوى الخواطر، تَآلَفَتْ فيها عناصر الواقع والخيال معًا لِتَنْقُشَ لوحةً مزخرفةً ..وأصبح للخواطر النثرية والومضَةُ والشَذرةُ مَعانٍ أُخرى .  


وأقول بالختام:

لَنْ نكتفي كباحثين ونُقاد وقُراء بهذا الإِبْدَاع، وننتظر نشر وإصدار الجزء الثاني “إطلالات” بشوق، و نتمنى أنْ تَفيضَ الكاتبة بكثير مِن التميز، وما زال في جُعبتها الكثير مِنَ الإِبْدَاع  لتُقدمه وتَتَفَتَّح زهوره… ونغُوص فِي أعماق بحر لُغُتِها، ومكنونات وُجْدَانِها وتُُضِيفَ من اللآلِئ تََنْثُرُهَا في بحر الإبداع من جَنى أَفْكَارهاِ وَخَيَالَاتِها. 

أرجو أن يَحْتَلَّ هذا الكتاب مكانته المرموقة التي يستحقها على المَنَصَّات الشعرية وفي مَحَافِل الأَدَب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

أتخيل هذه اللوحة الفنية بقلم نورهان محمد علي

أتخيل هذه اللوحة الفنية گ بوابة السنة الجديدة 2025 لمن يمر منها يتمني ويدعو الله أمنيته علها بداية جميلة بذكره علها نبض يتجه ويصح وجود...