*****
في نافذتي أصيص أتيت به من المشتل، أردت الاحتفاظ به والاعتناء بورده، وصرت أسقيه كل يوم. هذا الورد يهمس إلي حين أنظر إليه، يتسلل حبه لأعماقي وداخل كل من مر بقربه أو بدربي، يلامسه بالليل ضوء القمر ويعانقه بالنهارشعاع الشمس، ويزيد لمعانا. أطل من نافذتي أرى زرقة السماء... أرى كل شيء جميلا في بهاء منظره ، وإذا مرت غيمة مسافرة تتوقف لأجله تغسله وتسقيه. حتى الرياح كانت تحميه من الكسر أو العبث به.
هذا الورد يحمل بين ثناياه سرا عميقا...!!!
يدعو الناس للتمتع بالحياة ونشر الحب، والحفاظ على نظافة الطبيعة والاخضرار، والاهتمام بالنباتات والأشجار والأزهار، واتباع نسائمها وظلالها ، وأن يهمسوا بلغة طيبة تصعد من الأنفاس زكية عذبة . وردي رائع جذاب أحدثه بخيالـي ويرحل بي؛ إن أمسكت ريشتـي ترسم ألوان حديقتي، أروي له قصصا ويحب أشعاري، يؤنسني حين أحمل قلمي، يكتب ألحان قصائدي، ينثر عبقا يهز عالمي. على أوراقه الساحرة يرسو الجمال بأنواعه وألوانـه، وعلى تاجه بريق لؤلئِــيُُّ.
يجعلني أبحر فأغوص فيه وأبوح له بكل سر، ويجيبنـي بأريجـه، يبتسم وتـصبـو نسائمـه المنعشة ، يجند قلبـي وينسيني الملل والتعب، وكل كآبة تظلم نفسي وزاوية مكاني . يسلب روحي لأعيش حياته والجميع ونكون مصاحبين له في كل الفصول بلياليها ونهارها ، وإذا تنفس الصبح تتفتح براعمه ويتوهج أصيصي بيوم جديد سعيد. يـرف عليه الفراش يرقص كالأزهار حوله ويطوف ، والنحل يقبله و يرشف منبع رحيقه، ويضمهم جميعا إلى صدره، وفي المساء يهب نسيم الياسمين ويرد عليه بمسكـه. يحييه الطير بجناحيه ويغرد له، وتمتـزج أنغام العصافير والعطر كأنني في جنة روض بديعة خلابة.
وذات يوم من أيام الربيع وأنا أسقي وردي وأزيل عنه كل ضرر. امتد ظل معتدي أرعبني، دفع أصيصي فهوى، فسقط على شباك شرفة الطابق السفلي ، فطار عاليا كطائر يقاوم ألم جرحه . حوم فالتطم بالحائط المجاور فتكسر. تساقطت الورود . نزلت بسرعة لعلني أنقذ أنفاسها الأخيرة. صدمت بما رأيت. بكيت ورودي التي سأوزع بذورها على القريب وأعطيها حتى للبعيد، كنت سأقطف منها وأهديها لأهلي وكل غال في العيد.
هاهي الآن مشتتة ،مفتـتـة بين التراب والقش وفخار الأصيص .. كمخلوق زلزل مكانه ودكه الصخر
و هـكـذا أرادت يــد الأذيــة !...
بقلمي أمينة موسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق