«(3)» فلسفة الموت والحياة 3
رؤيتي : د/ علوي القاضي
... ورغم ماتم سرده من ٱراء فلسفية عن الموت والحياة في الجزأين الأول والثاني ، ولكن (ألبير كامو) كان رأيه تشاؤميا وسلبيا ومختلفا يقول ، ولكن الجميع يعرفون أن الحياة ليست جديرة بأن تعاش ، ولم أكن أجهل في الحقيقة ، أن الموت في الثلاثين أوفي السبعين سيان ، وأن مصير الإنسان يصبح دائماً فيه مايثير وجميل إذا ما استطاع الإنسان أن يحب قدره ويتقبلّه
... وعلى عكس نبرة تشاؤم (البير كامو) ، جاء (واسنى الأعرج) بنبرة الأمل والتفاؤل يقول ، هناك عقول تغرس نطفة الحياة في رحم الموت ، كي تتحدَّى الفناء ، وتبارز الرحيل ، هؤلاء هُم مَن يكتبون تراتيل النجاة بأحبار الأمل
... ويؤكد ذلك الأمل والتفاؤل يقول (غابرييل غارسيا ماركيز) ، حافظ بقربك على من تحب ، لأن الغد ليس مضموناً لا لشاب ولا لمسن ، ربما تكون في هذا اليوم المرّة الأخيرة التي ترى فيها أولئك الذين تحبهم ، فلا تنتظر أكثر ، تصرف اليوم لأن الغد قد لايأتي ، قل دائماً ماتشعر به ، وافعل ماتفكر فيه
... ويؤكد (محمود درويش) على ألم الفراق فيقول وكله وجع ، الموت لايوجع الموتى ، الموت يوجع الأحياء ! ، صدق والله
... ويتحدى (مارك توين) الموت فيقول ، أنا لاأخاف الموت ، لقد كنت ميتاً لمليارات ومليارات السنين قبل ولادتي ، ولم أعاني من أدنى إزعاج بسبب ذلك
... ومن أقسى صور عذاب الإنسان في الحياة من وجهة نظر (تولستوي) في فلسفة الحياة ، هي أن يتكرر المشهد المُعاش يوميا ، نفس الوجوه ، ونفس الأحاديث والأفكار ، ودائما الأحاديث عن نفس الأشياء التافهة عديمة القيمة ، أما المتحدثون أنفسهم فهم مقتنعون تماماً أن الحديث ينبغي أن يكون كذلك للأسف ولذلك سوف يستمرون في حياتهم على هذا النحو حتى الموت ، لكنك أنت لاتستطيع تحمل هذا ولاالتأقلم مع ذلك ، هذا هو الجحيم بحد ذاته !
... ويعترف ويؤكد بواقعية بحتة (سيغموند فرويد) أن الموت طبيعي ، ولايمكن إنكاره ولايمكن تفاديه ، ومع ذلك فقد كنّا معتادين على الحياة كما لو أنَّ الأمر ليس كذلك ، فقد كنّا نُبدي ميلاً لايمكن أن نخطئ في إدراكه لِرَكن الموت على الرف ، وأن نزيله من الحياة ، حاولنا إخراسه ، والمقصود هنا موتنا نحن ، حيث أنَّ موتنا أمرٌ لايمكن تخيّله ، وكلما حاولنا ذلك ندرك أننا نعيش كمشاهدين ، ومن هنا إستطاعت مدرسة التحليل النفسي المجازفة بالتأكيد ، بألّا أحد يعتقد في أعماقه بموته الشخصي ، أو يمكن أن نقول الأمر نفسه بطريقةٍ أخرى ، أن كلُّ واحدٍ منّا (في اللاشعور) مقتنعٌ بخلوده الشخصي
... وعن فلسفة الموت وتأيره في الأحياء يقول (البير كامو) ، هل لاحظتم أن الموت وحده هو الذي يوقظ مشاعرنا ؟! ، وكيف أننا نحب الأصدقاء الذين غادرونا لتوهم ؟! ، وكيف نعجب بإولئك الأساتذة الذين لم يعودوا يتحدثون ، بعد أن ملأ التراب أفواههم ! حينئذ ينبثق التعبير عن الإعجاب طبيعياً ، ذلك الإعجاب الذي ربما كانوا يتوقعونه منا طيلة حياتهم ، ولكن ، أتعرفون لماذا نكون دائماً أكثر عدلاً وأشد كرماً نحو الموتى ؟! والسبب بسيط جدا ، فليس هناك إلتزام نحوهم ، إنهم يتركوننا أحراراً !!
... أما (دوستويفسكي) يقول ، أن من الممكن أن يموت الإنسان ميتة (بلهاء) ، في لحظة كانت فكرة الموت فيها أبعد ماتكون عن خياله
... ويقول الشاعر الفيلسوف (مظفر النواب) ، مازلت أؤمن أن الإنسان لايموت دفعة واحدة وإنما يموت بطريقة الأجزاء ، فكلما رحل صديق مات جزء ، وكلما غادرنا حبيب مات جزء ، وكلما قٌتل حلم من أحلامنا مات جزء ، فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة فيحملها ويرحل !
... وفي أقوى الحوارات الفلسفية ، حوار بين سقراط ودوستويفسكي عن فلسفتهما في الموت والحياة :
**سقراط : هل تخاف الموت ؟!
*دوستويفسكي : لا بل أخاف الزمن !
**سقراط : لاتهتم هذا الوقت سيمضي
*دوستويفسكي : ولكن هذا الوقت هو عمري
**سقراط : معك حق إنه لن يمضي وحيداً
*دوستويفسكي : وماذا يأخذ معه ؟!
**سقراط : مانخاف فقده (حياتنا) ، الموت لن يأخذ إلا ماتركه الزمن
*دوستويفسكي : وأنت هل تخاف الموت ؟!
**سقراط : بل أخاف الحياة !
*دويستويفسكي : ولماذا ؟!
**سقراط : لأن الرغبة في الحياة هي من يهزمنا ، وليس الخوف من الموت
*دويستويفسكي : فكيف نهزم تلك الرغبة ؟!
**سقراط : أن يكون في داخلك مايتجاوز قيمة الحياة
*دويستويفسكي : مثل ماذا ؟!
**سقراط : إيمان عظيم أوحُب عظيم
... يوضح (ألبير كامو) ذلك بعمق أكثر حيث يقول ، هل لاحظتم أن الموت وحده هو الذي يوقظ مشاعرنا ؟! ، فبرأيكم لماذا غالبيتنا لايشعر بقيمة الأشياء إلا بعد فقدانها ، أو بعد فوات الآوان ؟!
... معنى ذلك أنه حينما يموت الناس تسير الحياة ، لكن عندما يبتعد الناس تتوقف الحياة ، غريب أن الموت أرحم من البعد ، قد يكون لأن الموت حاسم والبعد فيه إحتمالات !
... فلسفة الموت هو أقدم سؤال ثقافي واجهه الإنسان ، وتعددت صياغاته وإجاباته وتباينت وجهات النظر ، فكانت ٱراء الدين والفلسفة والعلم والفن والقانون مختلفة
.. (الدين) أعاد إنتاج السؤال بصيغة ، ماذا بعد الموت ؟! ، وكانت إجاباته أن وظّف السؤال في الهيمنة على الحياة وتنظيمها باعتبارها معبراً ومُمهّداً وحيداً للحياة الخالدة وهي هدفه المركزي
.. (الفلسفة) ، تباين بين الإعتراض على السؤال بالوجوديات والعدميات وبين التسليم له بالإيمان الفلسفي الخاص بمعنى الوجود وعلّته وربطه بالعقل الكوني ولكن بمعزل عن اشتراطات الدين ورؤاه ، فكان العقل الفلسفي المتسائل والمقرّر
.. (الفن) صاغ السؤال معترضاً بطريقة ، لماذا نموت ؟! فأجاب بالموسيقى والغناء والرقص والتمثيل والتشكيل والأدب ، فكانت الروح وعوالمها الرحبة ، الفن كافح الموت بمكافحة أسبابه الثقافية ، ودافع عن الحياة بالحفاظ على أسبابها الثقافية
.. (العلم) فصاغه بطريقة ، كيف نموت ؟! ، وكانت إجابته في مكافحة الأسباب العلمية الموت فاكتشف قوانين الطبيعة وطوّعها لتحقيق السلامة والمتعة ، فكان العقل التجريبي
.. (القانون) فقد صاغه بطريقة ، كيف نعيش ؟! فكان التنظيم والمؤسسة والإدارة
.. والخلاصة أن (الدين) عالج المشكلة دون تشخيص ، وبقية الإجابات شخّصت المشكلة دون علاج
... وإلى لقاء في الجزء الرابع إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتي ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق