الجمعة، 13 سبتمبر 2024

فلسفة الموت و الحياة 5 بقلم علوي القاضي

 «(5)» فلسفة الموت والحياة 5

رؤيتي : د/ علوي القاضي

... وصلا بماسبق في الأجزاء الأربعة السابقة يحكي (جون خايرو فيلاسكير) قصته وفلسفته مع الموت والحياة يقول ، كانت والدتي قد أشرفت على الموت ، وكانت تحتاج إلى عملية جراحية عاجلة ، أخذتها إلى (المستشفى الحكومية) ، فطلبوا مني مبلغ كبير من المال ، وأنا لاأمتلكه ، فذهبت إلى (قسيس الكنيسة) فقال لي ، الحياة والموت بيدي (الرب) ، فلم يبقى لي سوى الذهاب ل (بابلو إسكوبار وهو بارون مخدرات وسياسي كولومبي ، ومؤسس منظمة كارتل ميديلين الإجرامية ، بدأ حياته الإجرامية في التهريب ، ثم في إنتاج وتسويق الماريجوانا والكوكايين) ، فأعطاني المبلغ المالي ، وعالجت أمي ولن أنسى جميله أبدا ، فكيف تريدني بعد هذا أن أُحِبَ (الحكومة) ، أو أن أَثِقَ في (رجل الدين) ، أو أن أَكْرَهَ (بابلو إسكوبار) ؟! 

... ومن أروع ماكتبه الإمام الشافعي في فلسفة الموت والحياة :

..النَّفسُ تَبكي عَلى الدُّنيا وَقَد عَلِمَت *** إِنَّ السَّعادة فِيهَا تَركُ ما فِيهَا

..لادارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها *** إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بَانِيهَا

..فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها *** وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بَانِيهَا

..أَينَ المُلوكُ الَّتي كانَت مُسَلطَنَةً *** حَتّى سَقاها بِكَأسِ المَوتِ سَاقِيهَا

..أَموالُنا لِذَوي الميراثِ نَجمَعُها *** وَدُورُنَا لِخرابِ الدَّهرِ نَبنِيهَا

..فكَم مِن مَدائِن في الآفاقِ قَد بُنِيَت *** أًمسَت خَراباً وأفْنَى المَوتُ أهْلِيهَا

... ويتناول (عبد الرازق عبد الواحد) نفس المعني فيقول :

..يقولون هل بعد المنيِّة غايةٌ *** أجل بعدها أن لا تجوع ولا تعرى

..وأن لا ترى للشر وجهاً ولا يدا *** وأنك تمسي لا تُراع ولا تُغرى

..أجل بعدها معيارها ، أن تجيئها *** مهيباً وأن تختارها ميتة بكرا

..وأن تترك الدنيا وذكراك ملؤها *** وحقك أن الموت موتك في الذكرى

..ولو كان بعد الموت موتٌ لعوَّضت *** به النفس ماعانته من ميتةٍ نكرا

..ولكنه الموت الذي ليس بعده *** وإرثك منه لا يُباع ولايُشرى

... وكان ل (مجنون ليلى) فلسفة خاصة في الموت والحياة ، قال الشاعر قيس بن الملوح في حب ليلى :

..لو كانَ لي قلبان لعشت بواحد *** وأفردتُ قلباً في هواكَ يُعذَّبُ

..لكنَّ لي قلباً تّمَلكَهُ الهَوى*** لاالعَيشُ يحلُو لَهُ ولاالموتُ يَقْرَبُ

..كَعُصفُورةٍ في كفِّ طفلٍ يُهِينُها *** تُعَانِي عَذابَ المَوتِ والطِفلُ يلعبُ

..فلا الطفل ذو عقلٍ يرِقُّ لِحالِها *** ولاالطّيرُ مَطلُوقُ الجنَاحَينِ فيذهبُ

... ويروي (الأصمعي) قصة من أغرب مايكون فيقول ، بينما كنت أسير في البادية ، إذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت :

..أيا معشر العشاق بالله خبِّروا *** إذا حل عشق بالفتى كيف يصنعُ

.. فكتب الأصمعي تحته البيت التالي :

..يداري هواه ثم يكتم سرَّه *** ويخشع في كل الأمور ويخضعُ

.. ويقول الأصمعي ، عدت في اليوم التالي فوجدت مكتوبا تحته هذا البيت :

..وكيف يداري والهوى قاتل الفتى *** وفي كل يوم قلبه يتقطعُ

.. فكتب الأصمعي تحته البيت التالي :

..إذا لم يجد صبرًا لكتمان سرِّه *** فليس له شيء سوى الموت ينفعُ

.. يقول الأصمعي ، فعدت في اليوم الثالث ، فوجدت شابًّا ملقىً تحت ذلك الحجر ميتًا ، ومكتوبٌ تحته هذان البيتان :

..سمعنا أطعنا ثم متنا فبلِّغوا *** سلامي إلى من كان بالوصل يمنعُ

..هنيئًا لأرباب النعيم نعيمهمْ *** وللعاشق المسكين مايتجرعُ

.. فيبكي الأصمعي وتنهمر دموعه حتى بللت لحيته ويقول ، أنا من قتل هذا الفتى وندم ندما شديدا وظل ضميره يؤنبه حتي مات

... ومن أجمل ماكتب (بابلو نيرودا) ، هذه الكلمات التي إختصر فيها فلسفته وتجربته في حياته الزاخرة ووجوده الكوني في مذكراته ، (يموت ببطء ﻣﻦ ﻻﻳﺴﺎﻓﺮ ، وﻣﻦ ﻻﻳﻘﺮﺃ ، وﻣﻦ ﻻﻳﺴﻤﻊ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ، وﻣﻦ ﻻﻳﺠﻴﺪ ﺍلإﻫﺘﺪﺍﺀ ﺑﻌﻴﻨﻴﻪ ، ﻳﻤﻮﺕ ﺑﺒﻂﺀ ﻣﻦ ﻳﺼﻴﺮ ﻋﺒﺪﺍً ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ، وﻣﻦ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﻛﻞّ ﻳﻮﻡ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ، وﻣﻦ ﻻﻳﻐﻴﺮ ﺃﺑﺪﺍً عاداته ، وﻣﻦ ﻻﻳُﺠﺎﺯﻑ ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ ﻟﻮﻥ ﻣﻼﺑﺴﻪ ، ﻭﻣﻦ ﻻﻳﺘﺤﺪّﺙ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻬﻮﻝ ، ﻳﻤﻮﺕ ﺑﺒﻂﺀ ﻣﻦ ﻳﺘﺠﻨّﺐ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻭﺯﻭﺑﻌﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺪ ﺍﻟﺒﺮﻳﻖ ﻟﻠﻌﻴﻮﻥ ، ﻳﻤﻮﺕ ﺑﺒﻂﺀ ﻣﻦ ﻻﻳﻐﻴّﺮ ﻭﺟﻬﺘﻪ ﺣﻴﻦ ﻳﺤﺲّ ﺍلفتور ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺐ ، يموت ببطء ﻣﻦ ﻻﻳﺮﻛﺐ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺮ ﻟﻴﺤﻘّﻖ ﺍﻷﺣﻼﻡ ، يموت ببطء ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﻣﺮّﺓ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺘﻤﺮّﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨّﺼﺎﺋﺢ ، ﻋِﺶ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﺍﻵﻥ ، وﺟﺎﺯِﻑ ﺍﻟﻴﻮم ، وﺗﺼﺮّﻑ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺗﻔﺎﺩَى ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﺒﻄﻲﺀ ، وﻻﺗﺤﺮﻡ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩة)

... ويعترف (كليمون روسي) ويؤكد ، فلسفتي بأكملها تنطلق من نقطة أساسية هي الإعتراف بالطابع التراجيدي للوجود ، كل شيء مرشح للزوال ، الموت يحيط بنا من كل جانب ، ونحن نوجد تحت رحمة هشاشتنا الخاصة في المقابل ، نرفض الإعتراف بالموت وبهذا البعد التراجيدي ، وهذا الرفض لما هو تراجيدي في الوجود ، أي رفض الحقيقة ، ندفع ثمنه غاليا ، عكس ذلك ، لأن القدرة على تحمل هذا البعد التراجيدي للواقع يشكل حجر الزاوية في الصحة النفسية الجيدة ، وأيضا في تحقيق السعادة المرغوبة ، على كل حال يمكننا التفريق بين محورين رئيسيين في تاريخ الفلسفة (الفلاسفة الذين يعترفون بحقيقة هذا الطابع التراجيدي في الحياة و يسمحون له بالتعبير عن نفسه مثل (باسكال ، نيتشه) ، والفلاسفة الذين يسعون بكل قواهم من أجل التخلص منه عن طريق عقلنة العالم مثل (أفلاطون ، كانط ، هيجل) ، فيما يخصني فقد اخترت معسكري منذ زمن بعيد

... يقول (دوستويفسكي) ، لن يذكرك الناس كثيراً بعد الموت ، ماهي إلا أيام قلائل ثم تكون في عداد المنسيين ، فكأنك لم تولد ولم توجد ، سوف يأتي ذكرك مرات قليلة من قبيل الصدفة ، لكنك ستفنى نهائياً مع قدوم أجيال جديدة إلى الحياة ، إن الناس حينها لن تتذكر من أنت ، ولن تتذكر مبادئك التي كنت تتمسك بها طَوال الوقت ، كما لن يذكروا إن كنت شهماً نبيلاً أو شريراً سيئاً ، وفي كلا الحالتين أنت لن تستفيد من كلامهم شيئاً !

فعِش حياتك بالطريقة التي تراها أنت ، بالطريقة التي تجعلك سعيداً فالعُمر عمرك أنت ، والأيام التي ستمضي لن تعُود ابداً ، عش عمرك بما تراه مناسباً 

... وإلى لقاء في الجزء السادس إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة

... تحياتي ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لإبتعادي أسباب بقلم إسحاق قشاقش

(لإبتعادي أسباب) لقد ضاع عمري بالغياب وشاب رأسي وضاع مني الشباب وبت لا أعرف غدي من أمسي وترهلت على جسدي الثياب ولا أعرف كيف أُرسي وكم كنا من...