في هذه الفترة تفتحت بروح محفوظ زهرة لم تتفتح مثلها بين كل أفراد عائلتي والديه ، حيث بدأ ينظم الشعر ، ويهتم بالقراءة كثيرا حتى أصبحت لديه مكتبة كبيرة ، وكل مكتبته كانت نتيجة للأعمال التي التحق بها محفوظ خلال السنوات السابقة ، سواء كانت بالعطلة الصيفية ، أو أثناء العام الذي قضاه بالبيت ولايذهب للمدرسة
في عامه الرابع عشر كان محفوظ مساء يوم يقف مع ابن خالته ورفيق الشقاوة على ناصية أشهر شارع بالحي كبقية الشباب ، وكان الوقوف على هذه الناصية هو المتنفس الوحيد لشباب الحي الذي يفتقد لكل شيء يحتاجه الشباب ، فهذه الناصية كانت مقابل ماتسمى بترعة الخشَّاب ، وهذه الترعة هي التي وقف عبد الحليم حافظ عليها فوق كوبري خشب بسيط ليغني { ظلموه } من خلال فيلم { بنات اليوم } مع ماجدة ، وعلى هذه الناصية يتجمع الشباب من كل الأعمار تقريبا ، وفجأة هاجمتهم مجموعة من رجال الشرطة وهم لا يعرفون السبب ، وإذا بمحفوظ يفر قبل أن يتمكنوا من الإمساك به ، فيهرولون خلفه لمسافة كبيرة ، ولكنهم لحقوا به بعد فترة بسبب انتشار الظلام بمنطقة البصري ووجود خيمة حِدَادة وبعض الصخور الكبيرة من حولها ، وبالطبع نال منهم بعض اللكمات والرفسات لما فعله بهم من إرهاق ، ومشى رجال الشرطة ومعهم من تم القبض عليهم من هذه الناصية حتى وصلوا قسم المعادي سيرا على الأقدام
_ تفتكر قبضوا علينا ليه يا محفوظ ؟
_ مش هنعرف غير لما نوصل القسم ، بس متهيألي حد اشتكى من وقوفنا على الناصية
_ مش عارف بابا لمايعرف إني في القسم هيعمل إيه ؟
_ هههههه مش المشكلة يعرف إنك في القسم ، المصيبة لمايعرف إنك معايا ، تخيَّل بقى هيجرالك إيه ياحلو
واندهش محفوظ ورفيق الشقاوة ابن خالته عندما وصلوا للقسم فوجدوا دراجة والده بجوار باب غرفة نائب المأمور ، وبالنظر داخل الغرفة وجدوه يجلس معه ، وإذا بالنائب يصيح على الشرطي الذي يمسكهما :
_ هات الولدين دول هنا وروح أنت
_ حاضر يافندم ، بس الولد ده تعبنا كتير لأنه حاول يهرب مننا
_ خلاص قلتلك سيبهم وروح أنت
.. أنا بعتذرلك ياعمي على اللي حصل ده ، طبعا أكيد مفيش حد من القوة بيعرف أنهم قرايبي
فالتفت محفوظ نحو رفيقه مندهشا وهو يبتسم ، فوجيء به في قمة الرعب وهو يقف هكذا أمام والده الصعب ، فهو يعرف كيف ستكون ليلته عندما يعود مع والده للبيت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق