السبت، 23 أغسطس 2025

فلسفة الصمت 3 بقلم علوي القاضي

 فلسفة الصمت 3

     د / : علوي القاضي 

... الصمت أحيانًا يكون أبلغ من الكلام ومحمودا ، لكن ليس في وجه الظلم ! حينئذ يكون مذموما ، فالساكت عن الظلم ليس محايدًا ، بل هو متدرب في مدرسة الظالم ومشارك فى الظلم ، هذه المقولة تذكرنا بأن الشجاعة ليست فقط في خوض المعارك ، بل في قول كلمة الحق عندما يخشى الآخرون وبالذات عند سلطان جائر ، أحيانًا الصمت أبلغ من كل عتاب

... ويكفيك من الدنيا أن يرزقك بشخصً ينتبه لصمتك ويفهمه أكثر من كلامك ، ولا يسأل عنك إلا إذا رأى يومه ناقصًا بدونك ، فإن كنت أنت ذلك الشخص ، فأنا أولى بالسؤال منك وعنك ، فالصمت يُسمع أكثر من الكلام ويلامس شغاف القلب أسرع من الٱذان ، ولأن الألم لا يُقال بل يُعاش ، فلا تؤاخذ نفسك ، إن كان حضورك لم يُشعرهم بشيء ، فأنت منهم كأنك لم تكن ، لكن عندي ، فغيابك له وجع البعاد وألم الفراق

... لذلك فقد علمتني الحياة ، أن لا أبيع هيبة الصمت بالرخيص من الكلام ، فالكلام كالدواء ، إن أكثرت منه قتل ، و إن أقللت منه نفع ، قد يخفي الصمت حيرة ، أو أنين ، وقد يكون حنين ، وقد يكون ألم

... علمتني الحياة ، أن الصمت أفضل جواب عن الأسئلة الموجعة المؤلمة ، فالإبتسامة الصادقة أفضل من الكلام المنمق 

... قد يرى البعض أن تسامحي إنكسار ، وأن صمتي هزيمة ، لكنهم لا يعرفون أن التسامح يحتاج لقوة أكبر من الإنتقام ، و أن صمتي أقوي من أي كلام ، يكفيني الرد عليهم بـ (صمتي) ، فهو أبلغ من الكلام ، فالصمت لغة العظماء

... وللفلاسفة رأي في الصمت ، فماذا قالوا  :

.. (دوستويفكسي) ، أعترف أن لساني يجيد الصمت جدًا لكن عقلي لا يكف عن الكلام 

.. (نيتشه) ، إنه لأمر رهيب أن تلتزم الصمت بينما لديك الكثير لتقوله 

.. (كافكا) ، أنتمي إلى الصمت العميق إنه المناخ الذي يلائمني  

.. (غسان كنفاني) ، إن الصمت هو صراخ من النوع نفسه أكثر عمقًا ، وأكثر لياقة بكرامة الإنسان ، وضَجيجُ الصَّمتِ ،  هُو الكَلامُ الثَّقيلُ الذِي لمْ يُقَلْ ، وبكاءُ القَلبِ ، هُو الحزنُ الذِي لا يندلِقُ مِن العُيونِ ، بل يَتراكَمُ فِي القلبِ حتَّى يُذِيبه 

.. (يليه) ، ماذا نفعل إذا كان الكتمان مؤذي والبوح لا يغير شئ ؟! 

. ‏لا البَوحُ يُطفِئُ مَافي القَلبِ مِن *** وَجعٍ ولا الدُّموعُ تُسَلِّينِي فَتنهَمِرُ  

. عَلِقتُ مَابينَ كِتمانٍ يُؤرِّقُنِي *** وبينَ قلبٍ من الخُذلانِ ينصَهِرُ

... ومن المؤكد أن الذي اختار الصمت سبق لهُ أن قال كل شيء ، من خلال هذه الكلمات يثير (دوستويفسكي) تساؤلا جوهريا ، حول حدود اللغة والقدرة على التعبير عن اعماق النفس الانسانية ، بالنسبة له ، الصمت ليس غيابا للكلام بل هو حالة تفوق اللغة في نقل الحقيقة ، ففي اللحظة التي يختار فيها الانسان الصمت ، يكون قد وصل الى مرحلة من الفهم والوعي بحيث لايعود الكلام قادرا على الإيفاء بما في قلبه وعقله 

... وفلسفة (دوستويفسكي) تعني ان الصمت ليس تراجعا ، بل هو إعلان عن الوعي الكامل بالعجز أمام تعقيدات الوجود ، هو اللحظة التي يدرك فيها الإنسان أن هناك مالايمكن للكلمات ان تلمسه ، وأن أعماق روحه لايمكن أن تترجم إلا في غياب الصوت 

... وقد يسأل أحدنا ، (هل الصمت أفضل أم الكلام ؟!)

... ردا على السائل قال الجاحظ (وليس الصمتُ كلّه أفضلَ من الكلام كلّه ، وليس الكلام كلّه أفضلَ من السكوتِ كلّه ، بل قد علمنا أنّ عامّةََ الكلامِ أفضلُ من السكوت ، والرواةُ لم يرووا سكوتَ الصامتين كما رووا كلامَ الناطقين ، وبالكلام أرسل الله أنبياءَه لابالصمت ، ومواضعُ الصمت المحمودة قليلة ، ومواضع الكلام المحمودة كثيرة وطولُ الصمتِ يفسدُ البيان ، وإذا ترك الإنسانُ القولَ ماتت خواطرُه وتبلّدت نفسُه وفسد حسُّه

... وهناك من الشعراء  من ينصحنا 

. تكلم وسدد ما استطعت *** فإنما كلامك حي والسكوت جمادُ

. فإن لم تجد قولا سديدا تقوله *** فصمتك عن غير السداد سدادُ

... تحياتي ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

غَرامٌ لا يَموتُ بقلم عصام أحمد الصامت

غَرامٌ لا يَموتُ أَلا يا مَلاكي، أَنتِ الحُبُّ الأَبدي مادامَ شَكُّكِ قائِماً فَلا لُومَ إنَّ الغَرامَ عَلى شَفا الجُنونِ وَأَنا الَّذي مَلَ...