لم يكن “عادل” يظنّ أن للحياة مواعيد تأتي بعد فوات الوقت، ولا أن القلب الذي هدأ منذ سنين قد يُبعث فيه النبض من جديد. عاش وحيدًا في بيتٍ يطلّ على البحر، يكتفي بذكرياتٍ باهتة وصوت الموج الذي يذكّره بما مضى.
في صباحٍ رماديٍّ، جلس في المقهى ذاته الذي يرتاده منذ أعوام، فاقتربت منه امرأة تطلب الجلوس. كانت “ليلى” — ملامحها تحمل سكينة العمر ودهشة اللقاء الأول. ابتسمت وقالت:
– أظننا التقينا من قبل... ربما في زمنٍ آخر.
ضحك وقال:
– أو ربما كان علينا أن نلتقي حين تأخرنا عن كل شيء.
بدأ الحديث بسيطًا، ثم امتدّ كما يمتدّ الأمل في قلبٍ ظنّ أنه انتهى. تكلّما عن الكتب، عن الفقد، عن الشباب الذي مرّ سريعًا. ومع كل كلمة، شعر عادل أن شيئًا قد عاد إليه؛ الدفء، الفضول، وحتى رعشة اليد حين تقترب من يدٍ تشبهه في الصمت والحكمة.
في تلك اللحظة أدركا معًا أن الحب لا يأتي متى نريد، بل متى يشاء القدر. لم يعد العمر يعني لهما شيئًا؛ فبعض اللقاءات تُصلح ما أفسده الغياب، وتمنح القلب عمرًا جديدًا بعد الغروب.
قالت ليلى وهي تبتسم:
– ربما تأخرنا كثيرًا، لكنه تأخّر جميل.
فأجابها عادل بهدوء:
– المهم أننا وصلنا، ولو بعد آخر محطة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق