الجمعة، 21 نوفمبر 2025

حين تفقد نصفك ثم تحاول أن تحب من جديد بقلم نشأت البسيوني

حين تفقد نصفك ثم تحاول أن تحب من جديد
بقلم/نشأت البسيوني 

 بداية الحكاية التي لا يعرفها أحد هناك لحظة لا ينسى فيها الإنسان ما تبقى من حياته لحظة لا تكتب في شهادة الميلاد ولا تذكر في أوراق الوفاة لكنها تبقى واقفة داخل الروح كغصة صامتة أنا لا أتحدث هنا عن الفراق ولا عن الخسارة بل عن ذلك النوع من الألم الذي يغير شكل الإنسان من الداخل ويجعله يعيش بقلب نصفه حاضر ونصفه الآخر لا يزال واقفا عند بوابة لم يخرج منها أحد كنت 

يوما أحب امرأة لم أظن أن الموت سيجرؤ على الاقتراب منها كانت تشبه الحياة حين تبتسم وتشبه الوطن حين يهدأ وتشبه الأمان حين يغفو على كتفك ثم رحلت رحلت كما يرحل الضوء من غرفة انطفأ مصباحها فجأة لا تدري هل انكسر السلك أم انقطعت الكهرباء كل ما تدريه فقط أن الظلام فرض عليك ومن يومها لم أعرف شكل الراحة الكامل امرأة جديدة وقلب قديم بعد سنوات من السكوت 

ظهرت في حياتي امرأة أخرى لم تكن تشبه الأولى في شيء وهذا في حد ذاته كان نعمة ونقمة كانت طيبة حاضرة تسأل عني تفتش في تفاصيل يومي تخاف علي من أتفه الأشياء ورغم ذلك كنت كلما حاولت أن أقترب منها خطوة عاد قلبي خطوة إلى الوراء كأن شيئا داخلي لا يزال ممسكا بيد امرأة لم تعد هنا هي لا تعرف وربما لن تعرف أبدا أن قلبي يعيش بمنزلين منزل يسكنه حبها ومنزل آخر 

يسكنه طيف لا يزال يطرق الجدران كل ليلة ما أقسى أن تقارن دون أن تريد أنا لم أبحث يوما عن مقارنة ولا أردت أن أضع رأس امرأة على وسادة كانت تخص غيرها لكن القلب لا ينسى بسهولة والعقل لا يطفئ ذاكرته بجرس أو قرار كنت كلما سمعت ضحكة حبيبتي الجديدة هاجمتني ضحكة الراحلة وكلما لمست يدي يدها شعرت بيد أخرى كانت تعرف كيف تطمئنني دون أن تتكلم وكلما قالت لي 

أنا معك سمعت صوتا قديما يهمس أنا لن أتركك أبدا رغم أنها تركتني على غير إرادة منها ما أقسى أن يحاكم الحاضر بذكريات الماضي وما أشد ظلم القلب حين يقارن شخصا حيا بآخر أصبح ذكرى الراحة المكسورة كنت أحاول أن أبدو طبيعيا أن أبتسم حين تبتسم أن أعيش معها اللحظة كما هي لكن الحقيقة لم تكن الراحة كاملة ولم تكن الطمأنينة خالصة كنت أشعر كأنني أعيش فوق جرح 

ملتئم من الخارج فقط جرح لو مر عليه الهواء انفتح من جديد هي امرأة تستحق رجلا بقلب كامل وأنا رجل لم يعد الزمن قلبه كاملا بعد كنت أريد أن أحميها من صدقي لأن الصدق يؤلم ويكسر ويكشف الأشياء التي لا يفترض أن تقال ليل طويل وذاكرة لا تهدأ هناك ليال معينة لا أستطيع النوم فيها ليال تشبه الممرات الضيقة التي تعلق فيها صور الراحلين بلا إضاءة أجلس وحدي أفتح درجا 

من الذاكرة ثم درجا آخر ثم أجدني أقلب الصور وأسمع الأصوات وألمس ظل من رحلوا كيف أشرح هذا لمن تحبني الآن كيف أقول لها إنني أحاول والله يشهد أنني أحاول لكن هناك شيئا داخلي يسير ببطء أبطأ من خطواتها وأبطأ من شوقها وأبطأ حتى من محاولاتي للهرب من نفسي هل أستحق حبها أحيانا أسأل نفسي هل يحق لي أن أطلب من امرأة جديدة أن تتحمل قلبا مقسوما هل يحق لي أن 

أقدم لها نصف طمأنينة ونصف أمان ونصف روح هي تحبني بطريقة كاملة وأنا أحبها بطريقة متعبة حب يشبه محاولة كتابة حرف بيد ت حب يصارع أشباحا لا تراها حب يريد أن يكون كاملا لكنه يتنفس بصعوبة ومع ذلك أنا لا أهرب رغم هذا كله لم أهرب لم أغلق بابي ولم أختبئ داخل ذكرياتي ولم أهرب من امرأة تريد أن تبني حياة معي أنا أحاول أحاول كل يوم أن أخرج جزءا من قلبي 

من الماضي وأعيده إلى الحاضر أحاول أن أتعلم أن الراحة ليست أن تنسى بل أن تتقبل ما لا ينسى أحاول لأنني أعلم أن الراحلة لن تعود وأعلم أن الحياة لا تتكرر وأن شخصا يحبك الآن يستحق أن تمنحه فرصة حتى لو جئته منهكا الحب الثاني ليس خيانة كثيرون يظنون أن الحب بعد الفقد خيانة لكن الحقيقة أن الخيانة ليست في أن تحب من جديد الخيانة أن تقتل قلبك لأنه خسر الخيانة أن تغلق 

بابك في وجه الحياة الخيانة أن تجعل الموت ينتصر عليك مرتين الحب الثاني ليس بديلا وليس نسخة الحب الثاني محاولة لإنقاذ الجزء الذي كسره الرحيل وهو لا يلغي الأول ولا يمحو أثره لكنه يضع يدا على كتفك ويقول لك ما زال بإمكانك أن تعيش النهاية التي لا نهاية لها قد لا أصل يومًا إلى راحة كاملة قد يظل جزء مني يعيش مع الراحلة وقد يظل جزء آخر يحاول أن ينتمي للحاضرة لكنني تعلمت شيئا مهما أن القلب لا يعود كما كان لكنه يستطيع أن 

يتعلم المشي رغم الكسور وأن الحب لا يطلب منه أن ينسى بل أن يحاول يحاول فقط أنا الآن رجل يحب لكن على طريقته رجل يتألم لكن لا يهرب رجل فقد نصفه لكن يحاول أن يعطي الباقي لمن تستحق وهذا يكفي أو ربما هذا هو أقصى ما أستطيع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

إلى من سألني بقلم عبدالرحيم العسال

اخميمي ( إلى من سألني : هل انت اخميمي؟)  =========================== نعم يا عم أخميمي. وكم ازهو به وطنا لنا إرث وتاريخ. ونيل...