الجمعة، 7 نوفمبر 2025

ساعي البريد الذي لايُرى بقلم وسام طيارة

ساعي البريد الذي لايُرى
#سلسلة بريد السعادة

الرسالة الأولى: 
ساعي البريد الذي لا يُرى

تمهيد:
في هذا العالم لا تصل كل الرسائل عبر الطرق المعروفة.
بعضها يأتي خفيةً، محمولةً على نيةٍ طيبةٍ، أو على ابتسامةٍ عابرةٍ من شخصٍ لم يلتفت إليك.
هناك ساعي بريدٍ لا يُرى.. لكنه يعرف عنوانك تماماً. 
... 

يقولون إن السعادة لا توزع بل تُكتشف.
لكنني أعرف من يوزعها.
كائنٌ خفيف، 
لا يلبس بزة رسمية، 
ولا يحمل حقيبة، 
ولا يمشي في الشوارع.
يمر من قلبٍ إلى قلبٍ، 
كما تمر النسمة بين أصابع نافذةٍ مفتوحة.

لا أحد يعرف كيف يأتي ولا متى.
لكنك تشعر به عندما يتبدل طعم يومك دون سبب.
حين تضحك على لا شيء، وتغفر فجأةً لكل شيء.
ذلك هو ساعي البريد الذي لا يُرى.

هو ليس ملاكاً، ولا فكرةً شاعرية.
إنه أنت.. 
حين تتذكر إنسانك القديم.
حين تقول كلمةً طيبةً بلا مصلحة،
حين تُمسك الباب لأحدٍ يمر،
حين تترك نصيحةً في العلن ولا تضع اسمك تحتها.
تلك اللحظة التي تنسى فيها نفسك — هي لحظته المفضلة.

السعادة لا تحتاج إذناً بالدخول.
هي تعرف من أرسلها ومَن ينتظرها.
لكنها تخاف من القلوب المغلقة،
فإن لم تجد شقاً فيك، 
تركت الطرد عند بابك ومضت.

أحياناً تأتي رسائله في هيئة خسارةٍ مفاجئة.
كأن يختفي شيء لتنتبه إلى أشياء لم ترها.
وأحياناً تأتي في هيئة تعبٍ جميلٍ، 
يعلمك أن الراحة ليست دائماً الحل.

هو ماكرٌ جداً هذا الساعي.
يعرف كيف يخدع الألم ليصبح باباً للفرح.
يعرف متى يمر وكيف يترك أثره كأن شيئاً لم يحدث،
لكنه يبدل ترتيب العالم في داخلك بعد مروره.

كثيرون يسألون: لماذا لا أراه؟
والجواب بسيط: 
لأنك تنظر بعينيك، وهو يمر من خلال صدرك.
تحتاج أن تُغلق عينيك لتراه بوضوحٍ.
فهو يعمل ليلاً فقط.. حين ينام الصخب،
ويبدأ البريد الحقيقي بالتحرك داخل الإنسان.

أحياناً يلقي في قلبك فكرةً، 
أو يداً تمتد في اللحظة المناسبة.
وأحياناً يرسل لك غريباً يبتسم لك صدفةً، 
فتشعر أن الكون كله فهمك للحظةٍ واحدة.

السعادة إذن.. 
ليست حدثاً، بل رسالةٌ تُسلم في الوقت الذي تحتاج فيه أن تصدق أنك ما زلت حياً. 

ولأن هذا الساعي لا يطلب شكراً، 
فلن يعرف أحدٌ كم من المرات أنقذك دون أن تدري.
لكن.. حين تشعر فجأةً أنك بخيرٍ بلا سبب..

اعرف أنه مر من هنا.

بقلمي: وسام طيارة السوري
Wissam Syrian

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

إلى من سألني بقلم عبدالرحيم العسال

اخميمي ( إلى من سألني : هل انت اخميمي؟)  =========================== نعم يا عم أخميمي. وكم ازهو به وطنا لنا إرث وتاريخ. ونيل...