لقد نَالَتْ مِنّي السَّنَواتُ الثِّقَالُ؛ جَرَّدَتْ رُوحي مِنْ ومِيضِها، حتَّى غَدَتْ كَمِشكاةٍ خَبَا ضَوْءُ سِرَاجِها وكَادَ أنْ يُفَارِقَ. أيَّامٌ مَدَّتْ يَدَ الخَيْبَةِ، وَأَجْبَرَتْ قَلْبي عَلَى الهُدُوءِ القَاتِلِ، كَأَنَّهُ سَفِينَةٌ تُسَلِّمُ الرِّيحَ الشِّرَاعَ الأَخِيرَ قَبْلَ الغَرَقِ.
لكنَّ جَوْهَرَ الرُّوحِ أَبَى الانْكِسَارَ! كُلَّمَا اجْتَاحَتْني مَوْجَةٌ مِنَ الوَهْنِ، انْتَصَبْتُ كَقِمَّةٍ لا تَعْرِفُ الانْحِنَاءَ، أَتَحَدَّى سَوْطَ العَنَاءِ بِصَلابَةِ الصَّخْرِ العَتِيقِ.
أَرْقُبُ أُفُقَ الغَدِ بِنَظْرَةِ مُتَيَقِّنٍ، فِيهَا عَبَقُ الوَعْدِ الإلهيِّ، أَنَّ بَعْدَ الضِّيقِ فُسْحَةٌ لا تَنْقَطِعُ. وَهَلْ يُدْرِكُ عُسْرٌ وَاحِدٌ سَعَةَ يُسْرَيْنِ مُتَتَالِيَيْنِ؟! كَلَّا!
فَالمِحَنُ مَا هِيَ إِلَّا حِجَابٌ زَائِلٌ، وَإِنْ طَالَ اللَّيْلُ بِسَوَادِهِ، فَإِشْراقَةُ الصُّبْحِ حَتْمٌ مَقْضِيٌّ. وَمَا دَامَتْ في الأعْمَاقِ نَبْضَةٌ تَحْمِلُ إِشَارَةَ الوَاصِلِ إِلَى اللهِ، فَالْأَمَلُ بَاقٍ لَا يَمُوتُ، كَأَنَّهُ نُورُ الفَجْرِ الأَبَدِيُّ فِي قَلْبِ المُؤْمِنِ.
#بقلم ناصر إبراهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق