حديث الشاطئ
حديث الشاطئ
تشابَكت أيدينا ، وأخذنا نمشي الهُوينا ، وفجأة ، سَحَبَتْ يدَها من يدي ، وأخَذَتْ تركضُ أمامي كطفلةٍ صغيرة ، وقالت :- سوف أسْبِقُكَ ، إلى أين أيتها الشَّقية ؟! فأجابتني : إلى المجهول .
وركَضْتُ خلفها بِخُطىً بطيئة ، أردتُ لها أن تَسبِقَني ، وأكونُ على مَقربةٍ منها ، فأخَذَتْ تقفزُ على عتباتِ المحلات ، وتتهادى ، وعندما بدأَتْ تتثاقلُ خَطَواتها ، بدأتُ أحثُ الخُطىٰ ، فأدركْتُها ، وحضنتُها من خلفِها ، ثم حملتُها ، فعانقَتني وقالت :- أُحِبكَ جداً ، وجداً وجداً .
ومشيتُ أحمِلُها حتى وصلنا شواطئَ البحرِ الحزين ،
وجلسنا نشاهد شمس الأصيل ، وغيومُ الشتاءِ تلفُها ، دفئٌ غريبٌ سرىٰ في أنفسِنا ، رُغمَ تصارعِ الأمواجَ وتسابُقِها إلينا ، وكأن البحر يأتينا فارداً ذراعيهِ ليأخذنا بأحضانه ، فألقَتْ برأسِها فوقَ كتفي ، ولففتُها بذراعيَّ ، وقبَّلتُها .
ثم ذهَبَتْ ، بَلَّلَت أقدامَها بمياهِ البحر ، وأخَذَتْ تتهادىٰ على الرمالِ أمامي كياسَمينةٍ تتمايلُ طرباً على لحنِ نسيمٍ عليل ، وأنا ساهمٌ في دلالِها ، ذاهلٌ في جمالِها ، وكأنما أسكرني نبيذُ شفتيها ، وأفَقْتُ بعد أن غابت عن ناظري ، أخذتُ أسألُ عنها رملَ الشاطئ وأمواجَ البحر ، فقال الموجُ إذهب من هنا أيها الأحمق ، فقد سرقتُها منك وألقيتُ بها على الضِفةِ الأخرى ، فصرخت مناديا على الشمس توقفي أيتها اللعينة ، ولكن كان قد فات الأوان ، فغاب أخر شعاع منها خلف البحار ، أيتها اللعينة الشمطاء ، أما كان لك أن تخبريني على أي ضفة القت بها الأمواج ، على أي شواطئ قدر رست حبيبتي .
وعُدتُ أدراجي ، أحملُ بقايا من بقاياها ، ما زِلتُ أشعرُ بها بين أحضاني ، مازلتُ اشعرُ بذراعَيها تلُفُ عنقي ، ومازالت بقايا النبيذ من شفتيها عالقة بشفاهي ، هنا كانت قبل قليل تقفزُ أمامي وتتمايل ، عدت أدراجي وليس لي سوى البحرُ والشمسُ والأمواج ، يحملون في طياتهم أخبارها ، ورائحتها ، ودلالها ، وضياءَ وجهِها وسوادَ شعرِها ، فبات الليلُ والبحرُ والشمسُ ورملُ الشاطئ هم أنيسَ وَحدَتي ورفاقُ خلوتي .
ولم يبق لي سوى أن استودعكِ اللهُ يا صغيرتي ، وأن أدعوهُ أن يحفظكِ ويحميكِ ويحرُسكِ بعينهِ التي لا تنام ، مواسيا نفسي بلقاءٍ لا أدري متى وكيف وأين يكون ، ولست أدري هل يوماً ما سوف يكون؟؟ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق