رماز الأعرج في ( الصحراء , شعوب ورمال ) المحاضرة 3 )
هل يمكن أن نسترجع ما التهمته الرمال من المساحة الخضراء ؟؟؟
هذا ما سنجيب عليه في هذه الدراسة
الفصل الأول
1 الإنسان و الصحراء
عرف الإنسان الصحراء وعاش بها آلاف السنين , وترك أثره بها وعليها وهي أيضا تركت أثرها عليه وعلى ثقافته وسلوكه ومقتنياته وطبيعة ونمط حياته الاقتصادية والسكنية وغيرها , وتشابهت شعوب الصحاري جدا وتشاركت في الكثير مما جعل بينها أشياء كثيرة ثقافية وسلوكية ومتشابه رغم المسافات والبعد بينها ورغم أن الكثير منها لا تواصل ولم يحصل بينها أي تواصل , ولكن نجدها من النظرة السريعة الأولى متشابهة في الكثير من القضايا السلوكية والمعيشية والثقافية والأخلاقية أحيانا .
وقبل الدخول عميقا في الموضوع بالضرورة إلقاء نظرة على طبيعة هذه المناطق التي عاش وما زال يعيش بها البشر وظروفها العامة المشتركة , لنكون على يقين ووضوح في رؤيتنا في المسار الدراسي للموضوع وشموليته الممكنة و ألازمة لتحقيق الهدف وكشف الحقيقة كما هي عليه في موطنها تماما .
الإنسان لا يعيش في الصحراء الحقيقية بل يعيش في البادية , والبادية أو ما يسمى بالبادية هي تلك المناطق التي تعيش بها الكثير من الأنواع النباتية والحيوانية وأنواع من الأشجار كالنخيل والصبار وغيرها الكثير من أشجار المناطق الجافة والشبه قاحلة التي تأقلمت مع بيئتها المحلية منذ آلاف السنين وهي قادرة على تحمل ظروف الحر والجفاف أكثر من غيرها من الأشجار .
على صعيد العشب والنباتات الصغيرة تمتاز هذه المناطق بأنواع أعشاب محلية قديمة وسلالات يمكنها أن تصمد لعدة سنين في الأرض بدون مطر , ومع هطول المطر تتفاعل فورا لتعود إلى الحياة وتحول المناطق القاحلة الجافة إلى بسط خضراء , وتقتات عليها الحيوانات التي تعيش في هذه البيئية القاسية نوعا ما .
وهذا السبب الأساسي لإطلاق كلمة البدو على سكان هذه المناطق أي قاطنين البادية , ونلاحظ في تاريخ مسار هذه القبائل الرعوية التي تعيش في هذه البوادي أنها كانت تسكن تلك المنطق التي تحتوي على شيء ما من الماء و الطعام لهم ولمواشيهم بالدرجة الأساسية , وغذائهم الأساسي معتمد على هذه القطعان والمواشي.
وفي حال لا يوجد غذاء كافي لها يرحلون وراء الكلاء وحسب وهو وموطنه موطنهم ومكان حطهم , وفي حال شح الكلاء رحل البدو طلبا له في مكان آخر واستقروا به و الكلاء لا يتوفر بدون ماء طبعا , لذلك لم تكن حياتهم مجرد ترحال مستدام بل هي استقرار مؤقت بالقرب من مصادر الرعي والغذاء للقطعان .
كان استقراهم يعتمد على مدى وفرة الرعي والمياه الصالحة للشرب لهم ولقطعانهم, تسرح القطعان كل يوم وتعود عند المساء للمضارب , من اجل الحلب والراحة والمبيت وفي اليوم التالي تسرح مع شروق الشمس , وحين تبتعد المراعي عنهم ويشح المرعى يبتعد الرعيان بالضأن بعيدا ويبيتون معه في المراعي لكي لا ينهكوا الماشية في قطع مسافات طويلة كل يوم ذهابا إلى مصادر الغذاء وعودة في المساء .
وفي جميع بقاع الأرض عاش البشر شيء متشابه على هذا الصعيد , ويبدو أن البشر في الماضي لم يضطروا للعيش في البوادي , بل لم يكن من وجود لهذه البوادي سوى القليل , و في ما قبل 10 آلاف عام , كانت الصحراء الكبرى الأفريقية والربع الخالي وغيرها هي مناطق خصبة معشبة و بها بحيرات وحيوانات متنوعة وزرافات وفرس النهر والفيلة وغيرها من الحيوانات الضارية و العاشبة من المواشي مثل الغزلان و لمها والريم الجواميس وغيرها من الحيوانات العاشبة والتنوع في الطيور والثروة السمكية .
هذا كله مثبت بالدليل الأركيولوجي الأثري , وعثر في الصحراء الليبية على ما يزيد عن ألفين موقع صخري توجد به الكثير من الرسوم الجدارية التي تمثل حياة تلك الشعوب في هذه المناطق ,من صيد السمك والقوارب والرعي والمواشي والصيد وصور الأقواس والطهي وغيرها الكثير .
وهناك بعض الصحاري مثل صحراء ناميبيا مثلا يقدر الخبراء عمرها بحوالي 80 مليون عام , وتختلف ظروف كل منطقة من الصحراء ومسبباتها عن غيرها ولا يمكن شملها جميعها في معيار واحد إطلاقا , سوى في العموميات والقوانين الطبيعية العامة , مثل الجفاف وشح المطر والعوامل المناخية والحرارة والجغرافيا وتركيبة التربة .
إن الصحراء الحقيقية تنقسم إلى عدة مستويات وهي على النحو التالي :
1 : مناطق جافة وشبه قاحلة , و هي قابلة لأنواع معينة من الحياة ولو قليلة , ويأتيها شيء من المياه ولو بنسبة أمطار قليلة او من خلال واحات معينة ومياه جوفية , وفي الكثير من المناطق التي نراها صحاري , لم يسبب جفافها المنظور ومشهد التصحر بها سوى شح المياه ونقص الرطوبة مما افقدها غطائها النباتي والقدرة على تجديده .
وبذلك أصبحت كما نراها اليوم , ولكن في حال توفر لها ظروف رطوبة ما ومياه كافية ستعود منطق خضراء وتتجدد بها الحياة , وتعود إلى القدرة على احتواء الحياة العضوية والقدرة على تجديدها واستدامتها بها , فالحياة النباتية لها ظروف معينة , وفي حال توفرها سوف تنموا الحياة وتتبادل العضويات التفاعل بينها , وتتنوع وتزدهر حتما الحياة من جديد وهذا مجرب وسنأتي على ذكره لاحقا في مكانه .
2 : مناطق رملية وكثبان , و هي محيط من الرمال والتربة المتحركة والكثبان الرملية , وهذه ظاهرة موجودة في الكثير من مناطق العالم بحيث يلقي الماء على شواطئ اليابسة آلاف الأطنان من الرمال التي يحملها الريح لاحقا إلى المناطق المحيطة والسواحل القريبة , وهذا يسبب زحف مستمر للرمال في بعض المناطق مثل موريتانيا وغيرها .
3 : مناطق قاحلة جدا وجافة ولم ترى المطر منذ أكثر من 500 عام بحسب الخبراء مثل صحراء أتاكاما في التشيلي في أمريكا الجنوبية , أي أن هناك مناطق حول العالم ليس من السهل استصلاحها وإعادة إحيائها من جديد حتى لو توفر لها مياه ورطوبة.
4 : مناطق معدنية وتربتها تحتوي على كميات كبيرة جدا من المعادن مما يجعلها صحراء وغير قابلة لتفاعل الحياة العضوية , لهذا السبب هي غير قابلة لأي حياة , والمناطق المشابهة بها هي مناطق سكانها يعملون في استخراج المعادن وينقل الغذاء لهم من مسافات بعيدة ولا يمكن للتربة أن تستقبل أي نوع من الحياة .
5 : المناطق الملحية العالية القلوية , وهذه أيضا تستحوذ على مساحة معينة من المناطق القاحلة الغير قابلة للحياة على كوكبنا الصغير الأخضر و الأزرق .
عاش البدو في المناطق القابلة للحياة ولم يقصدوا المناطق الرملية و القاحلة سوى مسافرين عابرين طريق غير مقيمين بها , وهذا واضح عبر تاريخ هذه القبائل و ترحالها واستقرارها , والصحراء القاحلة التي لا حياة بها لا يمكن البقاء والعيش بها اعتمادا عليها فهي لا تعطي أي شيء حي لساكنها او حتى المار بها .
ورغم عدم دراسة البدو المباشرة النظرية لعلوم الطبيعة , لكنهم يدرسونها مباشرة تطبيقا عملي , فهم يعرفون الموسم و مدى احتمال المناطق للرعي فيرحلون فور شح الموارد العشبية , أي قبل انتهائها بالكامل , ويحسبون أن رحيلهم عنها حاليا سيكون لصالحهم في النهاية وصالح المنطقة التي سترتاح نباتاتها وأرضها من الرعي , بعد أن جابتها المواشي وأكلت لاخضر واليابس الجاف أيضا من بقايا القديم , وتركت روثها بها , وهذا يشكل سمادا عضوي للأرض بعد تساقط المطر .
إن مسار الإنسان القديم مع نظام الطبيعة كان واضح المعالم , وفي دراسة مسار الكثير من القبائل الرحل تبين أنها تعود إلى المناطق التي تتركها مرة أخرى بعد فترة معينة , وهناك قبائل تسير وفق مواعيد ومواسم معينة وتسير رحلة بين الصيف الشتاء , بحيث في الصيف والربيع تحط في أماكن معينة تعرفها وتعلم توفر المراعي بها , وفي الشتاء ترحل إلى منطق أخرى في طلب الدفء و الكلاء ويصل طول مسار هذه الرحلات أحيانا إلى آلاف الكيلو م .
إن نظام ترك المكان الذي يشح في وفرته الغذائية تعطي فرصة للأعشاب و النباتات لتعيد تجديد نفسها بقوة وخاصة بعد موسم هطول المطر , مما يجدد الحياة في المناطق التي تم رعيها , بل ولوحظ بشكل واضح أن نموها وخصبها يكون أفضل من غيرها بعد مواسم المطر وحلول فصل الربيع .
فهم القدماء قوانين الطبيعة والمناطق التي يعيشون بها ويجوبونها , فهم يعيشونها مباشرة , ليلا ونهار , ويتفاعلون مع كل عواملها وطقسها , وريحها وقرها وبردها وجفافها و صقيعها وشتائها , وبذلك يتفاعلون معها بحسب ما هي ولا يتركوا الأثر الكبير عليها رغم كل ما يجري من رعي أحيانا ,
وخاصة في العصور القديمة بحيث كان عدد البشر اقل بكثير من اليوم , وكذلك في العصر الراهن لم يبقى سوى قلة قليلة من الشعوب وبقايا بعض القبائل والثقافات حول العالم التي ما زالت تعيش نفس حياة البداوة القديمة , وخاصة بما يخص موضوع الترحال والتنقل .
أن اخطر ما نواجهه اليوم هو تحول مساحات كبيرة وبشكل متزايد ومتصاعد من هذه البوادي إلى مناطق قاحلة شديدة الجفاف , وكشفت تربتها و أصبحت معرضة للرياح والجفاف , والخطر الأكبر إذا تحولت إلى تربة راحلة , وقد تتحول هذه المناطق إلى كثبان رملية تنضم إلى نظيرتها و تغزو ما تبقى من مساحات الغطاء الأخضر للأرض , ويدمر من تبقى من مناطق خضراء لصالح الكثبان الرملية الغير قابلة للحياة.
رماز الأعرج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق