الجمعة، 23 يونيو 2023

البائع المتجول بقلم فاخر خالد

 البائع المتجول .. 


معروف باسم غازي ابو اللبن . رجل طاعن بالسن يدفع  عربة بثلاث عجلات يتجول في السوق والازقة القرية منه .

كنت كل ما اصادفه اشتري منه ، ليس الغاية شرب اللن وانما الغرض منفعته . كان يعتني بالنظافة ومذاق اللبن طيب  ، دائما يردد هذه العبارة (عبالك لبن) وكنت اسأله لعد هو شنو مو لبن ؟؟!  ايجاوبني اي هو لبن ويضحك !

غازي ابو اللبن نظره ضعيف بالكاد يميز الاشياء ، كان بصعوبة يعيد الكلاص الى مكانه.

كنت متعاطف معه جدا وكنت احس ان وراء هذا الرجل قصة طويلة .

ذات يوم وجدته متعب متكئ على عربته وكعادته يضحك على بساطته . 

القيت عليه التحية ، ولكنه فاجئني بسؤاله . 

اشبيك ابني اشوفك امعبس ؟ ابني الدنيا متسوه . والعمر مهما طال يخلص . وكملها بضحكته المعهوده . فرأيت بنظراته وضحكته ، كمية كبيرة من الامل لرجل قد تجاوز عمره ال 80 عام . 

مرت الايام والاشهر على غازي فساءت حالته وقل تجواله وزاد ضعف نظره . وقل المشترين منه .

ذات يوم قررت ان اسأله .

حجي ليش ماترتاح بالبيت  انت بحاجة للراحة .؟

اجابني .. يا ابني العيشة صعبة !

ماعندك ولد .؟

سبقت اجابته دمعة سقطت من تتحت نظارته السوداء . 

اجاب بحسرة وحرقة . ولد؟؟ 

آآآخ  آآخ الولد . راحح الولد !!

شعرت بالالم والهم والحزن الجاثم فوق صدره .!

بعد هذا اللقاء اختفى غازي ابو اللبن ، لم اعد اصادفه في اماكن تواجده المعتادة . افتقدته رحت اسال عنه 

لم يعرف احدا عنه شيءً . بعد البحث توصلت للمكان الذي يترك فيه عربته نهاية العمل . فوجدتها قد غطاها التراب .

وبعد فترة التقيته قد فقد بصره تماما .  منحي الظهر يتكئ على عكازة يمشي ببطئ . 

بادرته بالسؤال . شنو حجي خيرك شو ماكو هاي الايام ؟

وقبل ان يرد . اطلق حسرة طويله .!  

يا ابني عمري خلص ، وانتظر الله ياخذ امانتة ويخلصني من هم الدنيا .!

حاولت ان اواسيه . حجي كول غيرها ان شاء الله عمرك طويل .

الله كريم يا ابني ورفع نظارته ومسح دمعة سالت على خده .

 شيعته بدموعي .! وبعد اسبوع كنت ماراً في احد الازقة القريبة من السوق ، لفت انتباهي لافتة نعي سوداء علقت على جدار بيت قديم متهالك . 

يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية .

انتقل الى جوار ربه . المرحوم الحاج غازي . ابو علاء .

( علاء الذي اختفى منذ سنوات ولم يقف احداً على اثره)


✍️ فاخر خالد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

نَبعَ حُب بقلم محمودعبدالحميد

.. نَبعَ حُب .. مُخَضبُ قلبي بعِشقِ أزلي وحُبُ كائن قَبلَ كينونةِ أرضنا الفانية حُبُ لا يعرفُ ميلادآ ولا حياةَ  ولا ممات حُبُ يَنضَحُ ...