صراع الطبقة الرأسمالية و الكادحة
بقلمى : د/ علوى القاضى
... من حكمة الله سبحانه وتعالى فى خلقه أنه جعلهم درجات وطبقات فى كل مقدرات الحياة ، فى الصحة والعقل والتفكير والأولاد والمال ، وذلك يجعل الكون فى حالة توازن والكل يكمل الكل ، ولايستطيع أحد أن يحيا فريدا وحيدا دون الإستعانة بغيره
... ولكن أحيانا تختلف هذه النظرة التكاملية وتنحرف عن مسارها ، فتظهر العنصرية وتسيطر على الفكر ، وتستقر فى الأذهان وتتأصل فى السلوك النظرة الفوقية الإستغلالية
... والطبقة الرأسمالية هى الطبقة الغنية ولها السيطرة المالية والسلطوية على المجتمع وفى الغالب تشكل نسبة ضئيلة جدا من المجتمع لاتتجاوز 5% بيدهم مقاليد الأمور وإقتصاد ومقدرات المجتمع ، وعلى العكس الطبقة الكادحة هى التى تكدح لكسب لقمة العيش ودائما لايتناسب الدخل مع الإحتياجات الضرورية وهى ماتسمى الطبقة الفقيرة وتشكل حوالى 30% أو أكثر من المجتمع وعادة هذه الطبقه تعتمد ماديا على الحكومات أو مساعدات أهل الخير لتغطية نفقاتها ويندرج تحتها كبار السن فهم لايملكون القدرة على الكسب ويحصلون على معاش ثابت بعد بلوغهم سن المعاش ، وكذلك الأشخاص المعوقين الذين لايستطيعون العمل ، والطبقة المتوسطة هى التى تتأرجح بين الطبقتين إما صعودا بالتسلق للطبقة الرأسمالية ، أوهبوطا بالنزول إلى الطبقة الكادحة وهى تختفي بالتدريج بناءا على الحالة الاقتصادية للمجتمع وتشكل تقريبا 65% من المجتمع
... ودائما يحتدم الصراع بين الطبقة الرأسمالية والطبقة الكادحة بسبب النظرة الفوقية الغير عادلة من الرأسماليين نحو الكادحين فهم يعتبرون أن أموالهم وأعراضهم ملك لهم وكأنهم عبيد عندهم
... حينما يكون الفن هادفا وواقعيا ويكون صاحب رسالة سامية فإنه يعكس آمال وطموحات المجتمع ويناقش ويكشف السلبيات ويقترح الحلول الإيجابية ارتقاءا بالمجتمع خلقا وسلوكا
... فيلم الزوجة الثانية كان من أروع الأفلام وأعظمها ، قصة ، وسيناريو ، وحوار ، وممثلين ، ومخرج ، فقد شرح للمشاهد وحلل السلوك الأخلاقي للرأسماليين وأصحاب السلطة ونظرتهم الفوقية للكادحين
... وكان هذا الحوار :
. . قوليلي يا بت ، لو يعني مثلا ، مثلا إديتك وزة ، تعملي بيها إيه ؛ ؟!
. . يا سلام يا عمدة ، دية كانت تبقى ليله ، ناكل ونشبع و نتهني وندعيلك !
. . تاكلوها كلها ف ليله واحده ؟!
. . يدوبك ، حماتي حتة ، والعيال حتة ، و أني فتفوتة والباقي لابوالعلا !
. . واشمعني يعني ابو العلا ؟!
. . إهييييه ، مش هو الراجل ، اللي بيشقي ويتعب ، لابد يتقوت ، أكل الزفر صحة !
. . طب صبى !
... الله الله حوار جميل وتعبيراته ودلالاته قوية ، العمده بيتوضأ بالمداس ، على حد تعبير زوجته حفيظة وهذا لفظ شائع ، بين الفلاحين ، لأنه لايريد الوضوء أصلا ، فهو بعيد كل البعد عن طريق الله ، فما يريده هو شئ واحد وهو التحرش بتلك الفلاحة البسيطة من طبقة الكادحين ، التى سلبت عقله وسيطرت على قلبه
... بيسألها : لو أعطاها وزة ، ماذا ستفعل بها ؟!
... هذا السؤال له مغزى :
. . أولا ؛ العمدة رغم إنه رأسمالى وذو سلطة ولكنه شديد البخل والشح وكثير الظلم
. . ثانيا : الوزة تلك تعتبر رشوة ، أو إكرامية لها وذلك للحصول عليها هي نفسها ، يظن في مخيلته أنه لو أعطي لها تلك الوزة ، فإنها ستبيع نفسها له ، أجابت أنها لوحصلت على تلك الوزة ، فإنها ستقيم حفلا بهيجا مع زوجها أبوالعلا وأمه وأولادها ، على حد تعبيرها البسيط ، أن تلك الليلة أوالحفلة ستكون على شرف الوزة ، هي قطعة صغيره لها وأولادها وأم زوجها وباقي الوليمة لأبو العلا
... مشهد بين الرأسمالية وبين الكادحين من جموع الشعب العادي وهى بالتأكيد ليست رأسمالية وطنية ، لكنها رأسمالية إحتكار ، إحتكار للسلع و الخدمات بل واحتكار لآدمية البشر وعرضهم ومشاعرهم
... العمدة كرأسمالى وغنى وحاكم وذو سلطة يأخذ كل شئ من الشعب وبرضاء الشعب المغلوب على أمره ، في مقابل خدمات وهمية
... تارة يعفى شاب من التجنيد وتارة أخرى يلبى مصلحة لفلاح فقير وفي النهاية لايتحقق شئ من ذلك
ومايتحقق هو امتلاء خزائن العمدة من قوت الشعب
... مشهد فيه مساومة بين سلطة رأسمالية سياسية ، وبين أحد أفراد الشعب الكادح ، الوزة هي الرشوة و عرض تلك الفتاة الكادحة هو المطلوب
... و اللذة الجنسية لذلك الحيوان الطفيلي هي مأرب من مآرب هذا القاتل والمخرب
... مشهد يوضح نظام مراكز القوي في المجتمعات الديكتاتورية ، فكانت تلك المساومات كانت موجودة وبشدة في تلك الفترات من تاريخ المجتمعات المعاصرة
... يشهد التاريخ على مساومات مراكز القوي ، على أعراض النساء والقصص لاتعد ولاتحصى
... وكل شئ وله ثمن في مزاد مراكز القوي ، انتهى هذا العصر بكل قذارته وسلبياته المقززة والمستفزة للمشاعر الإنسانية
... هذا الفيلم يعتبره النقاد من أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية لواقعيته الشديدة ، فقد أبرز لنا تلك العيوب والتي كان الزمن كفيلا بمداواتها والقاءها فى مزبلة التاريخ
... وعندما سألها عن سبب تميز زوجها ، أجابت أن أبو العلا هو رجل البيت ، الذي يشقي ويتعب ويكدح ، من أجل إستمرار الحياة بينهم
... تلك المرأة البسيطة فاطمة تحب وتقدس زوجها الفقير المغلوب على أمره أكبر تقديس ، مما آثار غيظ العمدة لسببين :
. . أولهم ؛ أنه لم يتلق منها أي استجابة ولو تلميحا
. . ثانيا ؛ أنه وجد عندهم شئ يفتقده هو شخصيا وهو العمدة الغنى صاحب السلطة ، هذا الشئ هو الحب و التقديس والإحترام ، من زوجة فقيرة لزوجها الفقير وأسرته الصغيرة
... وهو لايجد هذا الشئ في بيته ، مع زوجته حفيظة والتي دائما علاقتهم الند للند ، سباب وإهانات ومعايرات وكل منهم يعاشر الآخر لسبب مادي وطمعا فى شريكه ، إما أرض أو أموال ، ويفتقر للحب والإحتواء والذي بحث عنه بطريقة لا تخطر على بال الشيطان وهي تطليق تلك الفلاحة الصغيرة من زوجها وأخذها والإعتداء على عرضها بالقوة ، لما تأكد أنها تقدس زوجها ولما أتت سيرته أمامه ، تغيرت ملامح وجهه للنقيض واستشاط غيظا وغضبا من سيرته
... وإلى الله المرجع والمصير
... تحياتى ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق