سأرجع يوماً
من ذاكرتي المتهالكة وحيداً
بالخيبة القديمة
لأتحضر لرحلتي الأخيرة
لعالم النسيان
و سأكتب آخر قصائدي
بلغة المحبطين
كي يقرؤوا من هم كانوا
واقفين بطريق الموت
لأؤلئك الذين يبحثون عن الأثر
من بعد الغياب
أقول إنتظروا قدوم الليل
لنعانق الصدى معاً
فالليل مازال يخبئ الكثير
من كأبتنا
و كل أسرار الخاسرين
سأمتطي صهوة الخيال الحر
البعيد البعيد
و سأجسُ نبض الأبجدية المفرطة
حرفاً حرفاً
لن أخذل ما كان يراودني من بقايا
المعنى
فربما أعطي للقصيدة ما ينقصها
بوصفِ شيءٍ ما
قد نسيَ القدماء وصفهُ على
جدار الراحلين
و سوف أغني قبل الموت بقليل
أغنية البكاء برشفة صوتي
سأسكن معجزة النسيان و لو
قليلاً
هكذا أنا أفكر و أشتهي ما يعيدني
لأشعر بأني أستطيع أن أحلم
و لو بأبسط الأشياء
سأحاول أن أستمع إلى الأغاني الفارسية
الحزينة
سأفتح ستائر نافذتي لبعض الهواء
و أفك أزرار قميصي
الأبيض
لأستنشق نفس العطر الراحل
عني
سأشرب قدحاً من النبيذ لأنسى
شكل الهزيمة
لا شيء برفقتي سوى الضياع
و هذا الضباب المحكم
أريد أن أعلم من أكون في وسط
هذا الزحام
سأبكي على نفسي بالموت شنقاً
في المدى
لأعطي للوجع سيرةً ذاتية
ها هنا كل شيء بات حامضٌ و
مر
فمازلت أفتقد لذكرى ذاتي
البريء
فكيف سأغسل جنازتي بالثلج
البارد
و أنا أجهل طريقة الأحياء
في السكينة
و أفكر بماذا سأسمي هذا
المتوفي المرحوم
و من هم الذين سيحملون جثمان
المقتول ليدفنَ ترابا
فما بين هنا و هناك نسيت
الوقت
عشرون شخصاً من الغرباء سيحملون
النعش أو أقل
سيسيرون بالموكب خلف الوداع
لكن
كيف ستتحمل المقبرة جسدي
الثقيل و كلَ أحزاني
فالتابوت ضيق جداً علي فلا
يتسع لكتاباتي الحزينة
الشاحبة
و لا أستطيع أن أسرق من قصائدي
بعض الكلمات برحيلي
كي تؤنس وحدتي بعتمة القبر
اليتيم
فالحزن على المتوفي الغريب
ملكٌ لي وحدي
فوحدي يجب أن أبكي على
وحدي
فلا يحق لأحد لا يتذكر أسمي
أن يبكي منافقاً بموتي
لكن ما هي أفضل وصية لتكون
عنوان النهاية
لأكتبها للعابثين بسيرة الأموات
من بعد رحيلهم
لا جديد في الوحي لينقذ وجه
المكان
سأحذف فكرتين من مخيلتي
أو سأستعين بلغة الوجع
لأتحرر من الضجر
فالبداية كما النهاية مراً و
فاضح السواد
بجرعة الغائبين من ذكرى
الحياة
يا أيها العمر ماذا تركت
لي
لأعيشه مطمئن على حالي
المكسور
ماذا فعلت بي برحلتك الشاقة
من بعد الولادة المبتكرة
السيئة
مضيت ألف عام بوجهة السراب
و عدت خاسراً كما بدأت
يداهمني القلق الشديد و التوتر
بنفس الخوف
و أحلم دائماً أن لا أحلم مثل
الأخرين
لكي لا أموت مع كل حلم
صار بي للهاوية العميقة
غرفة صغيرة تقترب بأربعة
جدران نحوي لتقتلني
بوحدتي
فأشعر بالبرودة أحياناً
و قساوة البقاء أحياناً أخرى
بزمن الهلاك
كم مرةٍ يجب عليَ وحدي
أن أموت
لا فرحٌ يدق باب ظلامي الطويل
الطويل
كي أفتح للياسمين صدري
العاري
و لا مساعي بقتل جرحي
الكبير
لا إمرأةٌ تحتضن جسدي الحالم
بعانق المرايا
فالحلم مع المرأة كان أشبه
بمعجزة القيامة
و ليس لدي فكرة عن جسد
سيدة الحلم الصغير
لتحل محل الخسارة لأحيا بها
بكنيسة الراهبات
فالقيامة دومآ تسكن الروح لتكسرها
عن قصد
و القصيدة وحدها تحرق نفسها
لتضيء لذاك البعيد
كي يعود قبل موعد السقوط
الصامت الأبدي
فأليس من حقي أن أنجو قيل
موتي و لو قليلاً
أليس من حقي أن أمارس طقوس
العشاق بالعناق
و أحضن تلك الروح المفقودة
المسلوبة
فأهمس بصدق الحب للوردة
الشاردة
قد تغير شكل الحلم و مات
و تبدل ملامح كل الفصول و صار
الزمان زمن الحرمان
هل نسيت ورائي شيئاً أسأل
نفسي
فتقول الرواية الأزلية رغم بعدها
نعم نعم
قد نسينا كل ما يكسرنا هناك
نسينا وراءنا أعمار الطفولة البريئة
تلعب بصور الذكريات
و نسينا ضحكة الفراشة و رقصتها
في صبحنا القديم
و نظرة الأمهات اللواتي تخيط خوفهن
من الخيبة
و خوف الأباء علينا من التعب و
الفقدان
نسينا وراءنا دموعنا و توابيتنا
فارغة
و هي تبحث عن ساكينها المبعثرين
في الهلاك على طريق السفر
و عن غائبيها المنهزيمين بألف
حكايةٍ و حكاية
تركنا ورائنا بيتنا القديم
هناك
لتطوي لمتنا مع الأهل بصفحة
الراحلين
بعدينو يا قبلتي في السجود و العبادة
متى نلتقي مجدداً
سأرجع يوماً لكن ليس لاحيا
كما البقية
بل لأطرز الكفن المقدس بوجع
القصيدة
و أبكي طويلاً بفشل الرحلة و فقدان
الشهية في البقاء
فالحياة لم تعد تتسع للجميع ليسكنوا
دار الريح منسجمين
فعلى البعض أن يتنازل لغيره
من الحالمين بالنجاة
و القيام بدور البطولة في فيلم
الإنكسار
و يترك .......... ؟
لقد نسيت ماذا كنت أقول بهده
القصيدة
فعلى شاعر آخر محبط من
بعدي
أن يكمل ما نسيت أقوله
لكم ........
فالقلم قد فقد صاحبه الغائب
و لم يعد
يجيد لغة الحوار الوطني بجسد
المنفى
بظل الحجر المهزوم بالهوية
المنقسمة في الشتات
مصطفى محمد كبار
أبن عفرين ٢٠٢٤/٤/٢١
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق