الجمعة، 9 أغسطس 2024

المرأةُ ليست بقلم فؤاد زاديكى

المرأةُ ليست ...

بقلم فؤاد زاديكى

إِنَّ أَيَّ مُجْتَمَعٍ، يَسْعَى إِلَى الرُّقِيِّ وَ التَّقَدُّمِ، عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَرْأَةَ وَ شَأْنَهَا بِغَايَةِ الِاهْتِمَامِ الْبَالِغِ وَ الشَّدِيدِ وَ الرِّعَايَةِ الْوَاجِبَةِ، وَ الِاحْتِرَامِ اللَّائِقِ بِهَا، لِأَنَّهَا الدِّيْنَامُو الْمُحَرِّكُ لِلْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، خَاصَّةً فِي الْأُسْرَةِ، وَ الَّتِي هِيَ اللَّبِنَةُ الْأَسَاسِيَّةُ الْأُولَى فِي بِنَاءِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُتَحَضِّرَةِ، لِهَذَا فَإِنَّ أَيَّ تَهْمِيشٍ أَوْ تَعَدٍّ أَوْ ظُلْمٍ يُلْحِقُ بِهَا، أَوِ الْإِقْلَالَ مِنْ قِيمَتِهَا الْمَعْنَوِيَّةِ وَ الشَّخْصِيَّةِ، بِأَيَّةِ طَرِيقَةٍ كَانَتْ أَوْ أُسْلُوبٍ، فَهُوَ يَجْعَلُ مِنْ هَذَا الْمُجْتَمَعِ وَاقِعًا مَشْطُورًا مُتَخَلِّفًا مُعَاقًا، فَلِلْمَرْأَةِ أَثَرٌ كَبِيرٌ فِي الْحَيَاةِ وَ تَأْثِيرٌ مُبَاشِرٌ عَلَيْهِ، مِنْ خِلَالِ عِلَاقَتِهَا بِأَفْرَادِ الْأُسْرَةِ وَ رِعَايَتِهَا لَهُمْ وَ تَرْبِيَتِهَا، وَ اهْتِمَامِهَا بِشُؤُونِهِمْ.

لَقَدْ أَثْبَتَتِ الْمَرْأَةُ، وَ فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِ التَّارِيخِ، أَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِأَدْوَارٍ اسْتِثْنَائِيَّةٍ مَشْهُودَةٍ فَاعِلَةٍ وَ مُؤَثِّرَةٍ وَ بَنَّاءَةٍ فِي الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ.

بِكُلِّ أَسَفٍ، يُنْظَرُ إِلَيْهَا فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الشَّرْقِيَّةِ عُمُومًا وَ مُجْتَمَعَاتِنَا الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَخَلِّفَةِ خُصُوصًا، عَلَى أَنَّهَا عِبْءٌ أَوْ عَالَةٌ أَوْ سَبَبٌ لِلْخَطِيئَةِ. عِنْدَمَا يَنْظُرُ أَيُّ مُجْتَمَعٍ إِلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا مَرْكَزُ "الشَّرَفِ" أَوْ مَصْدَرُ "الْعَارِ"، فَهُوَ يَضَعُهَا فِي قَفَصِ الِاتِّهَامِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ بَرِيئَةً مِنْ أَيِّ ذَنْبٍ.

كَيْفَ لِهَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ أَنْ تَتَقَدَّمَ وَ تَتَطَوَّرَ بِدُونِ الْمَرْأَةِ وَ هِيَ نِصْفُ الْمُجْتَمَعِ، وَ بِالْوَقْتِ نَفْسِهِ تَقُومُ بِتَرْبِيَةِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْهُ؟ هَلْ يُمْكِنُ عَزْلُهَا فِي زَاوِيَةٍ بَعِيدًا عَنْ أَيَّةِ مُسَاهَمَةٍ بِالْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ أَوْ دُونَ مُشَارَكَةٍ؟ وَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا، فَكَيْفَ لَهَا أَنْ تَقُومَ بِتَرْبِيَةِ أَبْنَائِهَا وَ هُمْ جِيلُ الْمُسْتَقْبَلِ؟ إِنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ بَانِيَةُ الْمُجْتَمَعَاتِ وَ هِيَ الْمُؤَسِّسُ الْأَسَاسُ لِأَوَّلِ وَ أَهَمِّ لَبِنَةٍ فِي بِنَاءِ الْمُجْتَمَعَاتِ، وَ كُلَّمَا تَمَّ تَجَاهُلُ دَوْرِهَا وَ إِغْفَالُ أَهَمِّيَّتِهَا بِتَجَاوُزِهَا، كُلَّمَا أَغْرَقَتْ هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتُ نَفْسَهَا فِي مُسْتَنْقَعِ الْهَمَجِيَّةِ وَ الْفِكْرِ الرَّجْعِيِّ الْمُتَخَلِّفِ، الَّذِي جَرَّ وَبَالًا عَلَى هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ، إِنَّهَا أَفْكَارٌ وَ مُمَارَسَاتٌ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُدَمِّرَ هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَ تَقُودَهَا إِلَى هَلَاكٍ مَحْتُومٍ.

وَ إِلَى أَنْ تَشْعُرَ الْمَرْأَةُ بِكَرَامَتِهَا وَ تَحْصُلَ عَلَى حُقُوقِهَا كَامِلَةً دُونَ أَيِّ نُقْصَانٍ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ سَتَبْقَى عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ انْحِطَاطٍ وَ تَخَلُّفٍ، تَكُونُ عُقْدَةُ التَّفَوُّقِ الذُّكُورِيِّ هِيَ السَّبَبَ الرَّئِيسَ فِي كُلِّ هَذِهِ الْوَيْلَاتِ وَالْمَآسِي وَ الْخَرَابِ، وَ لَيْسَ الْمَرْأَةُ.

المرأة ليست عورة
ليست عارًا
ليست مصيبةً
ليست بلاءليست...

لَيْسَتْ عَوْرَةً بَلْ نَجْمَةٌ تَتَلَأْلَأُ، فِي سَمَاءِ الْحَيَاةِ، تَرْشُدُ مَنْ تَخَبَّطُوا

لَيْسَتْ عَارًا، بَلْ فَخْرٌ يَزِيدُ شَرَفَ الأُمَمِ، فَكَيْفَ نَسْتَحِي بِمَنْ تَزَيَّنَتْ بِالحِكَمِ؟

لَيْسَتْ مُصِيبَةً، بَلْ أُمْنِيَةُ القَلْبِ الصَّافِي، فِي حَضْرَتِهَا تَذُوبُ كُلُّ الآفَاتِ بِوِئَامِ

لَيْسَتْ بَلَاءً، بَلْ نِعْمَةُ الرَّبِّ لِلْأُمَمِ، تُزَيِّنُ دُنْيَا بِالجَمَالِ وَ العِظَاتِ

لَيْسَتْ مَذَلَّةً، بَلْ عِزٌّ وَ فَخَارٌ، تُسَاهِمُ فِي بِنَاءِ أَرْوَعِ الأَوْطَانِ

لَيْسَتْ ضَعِيفَةً، بَلْ هِيَ صَامِدَةٌ، تُقَاوِمُ الصِّعَابَ بِقَلْبٍ لا يَلِينُ

هِيَ الأُمُّ وَالزَوْجَةُ وَالأُخْتُ الحَنُونَةُ، تَنْثُرُ حُبًّا وَعَطَاءً بِحُرِّيَّةٍ

هِيَ العَالِمَةُ وَ المُعَلِّمَةُ، وَ الأَدِيبَةُ، تَخُطُّ فِي الكُونِ رِسَالَةَ إنسانيّةً

كَيْفَ نَنْسَى مَنْ رَبَّتْ وَ عَلَّمَتْ أَجْيَالًا؟ وَقَفَتْ لِلْحَقِّ دُونَ تَزَيُّدٍ أَوْ مَلَالَةٍ

لَسْنَا نُكَرِّمُهَا بَلْ نَرْفَعُ رَأْسَهَا، فِي صَرْحِ الحَيَاةِ وَ نَفْتَخِرُ بِقِيمَتِهَا.

المانيا في ٨ أيلول ٢٤

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

فلسفة الموت والحياة«(10)»رؤيتي بقلم علوي القاضي.

«(10)»فلسفة الموت والحياة«(10)» رؤيتي : د/علوي القاضي. ... وقفنا فى الفصول السابقة على رأي الفلاسفة وعلماء الإسلام والمتصوفة في فلسفة الموت ...