دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.
... هالني وزاد إستياءي مارواه لي زميلي الأديب الطبيب عن رحلته لتسجيل إسمه كعضو في إتحاد الكتاب أملا في إمتطاء جواد النجومية والشهرة ، وما واجهه من مصاعب وعقبات مما إضطره أن يخالف مبادئه ، حتى كللت مساعيه بالنجاح وكان الثمن باهظا ، وهذا جعلني أسأله عن الدافع الذي يجعله يتحمل كل تلك الصعاب والتنازلات ؟! ، وكانت إجابته مختصرة إنها (متعة الإشتغال بالأفكار ، إنها متعة نادرة) ، لأنها المهنة الوحيدة التي تمكن الذي يمارسها من (التحرر) ومن تذوق كامل لمعنى الحرية ، ولكنني إعترضت على وجهة نظره ، لأن الواقع يخالف رأيه تماما ، ويؤكد أنه رغم كثرة (المشتغلين) في مجالات الثقافة والفكر والفن والكتابة ،،، الخ ، إلا أنهم غالبا أبعد مايكونون عن التحرر والحرية ، وربما عاشوا مكبلين أكثر من المشتغلين بعوالم المادة ، فالمثقفون والمبدعون بشر وبشريتهم تحولهم إلى (عبيد لأوهام أخرى) ، وهم الشهرة ، ووهم التفرد ، ووهم الترفع ، ووهم الثروة ، أوهام كثيرة تتحول مع الوقت إلى ذئاب مفترسة تفترس صاحبها وتنتهي حتى بالتهام شعلة الإبداع والفكر عند الأديب حتى ينطفئ لمعانه وتندثر أفكاره وينضب معينه ، ويتحول ذاك المفكر الذي كان يرى نفسه مشروع (منقذ) للبشرية وسيغير مجرى التاريخ ، سيتحول إلى مجرد (زاحف) يجتهد لتسلق درجات منصب أو إعتراف أو مكسب ، وفي الأخير يتخلف الأدب والفكر
... وتنتقل هذه الأوهام وبإفراط إلى المشاهير الجدد بمجالات الفن مما أثر على مستوى مايقدموه من أعمال ، وفي الأخير إنحدر الفن والذوق العام إلى مستويات أكثر إنحطاطا
... وأوضح مثال على ذلك الوهم الذي تملك أحدهم ويدعي (م.ر.) ، أنا مقتنع تماما أن صوت الجماهير أقوي من أي صوت ، وسلاح صعب المنال هذا الممثل (م.ر.) شخص له كتير من المتابعين والمؤيدين ، وكذلك له الكثيرين من المعترضين علي شخصه وعلي الرسائل الفنية التي يقدمها ، ويروا أنه سبب في إنحدار الذوق العام والأخلاق في المجتمع ، طبعا أيها القارئ سواء تحبه أو تكرهه تتفق معي أنه شخص يحب النجومية والشهرة ويلهث خلفها ، وفي سبيل ذلك يتبع أساليب كثيرة شرعية وغير شرعية لكسب الشعبية في أوساط مختلفة منها المدروس ومنها الغير مدروس ، عنده أخطاء ناتجة عن جهل ، وأخطاء متعمدة لإثارة البلبلة ، لأنه يريد في يوم وليلة أن يصبح حديث الساعة نظرا لقاعدته الشعبية ، لكن بعد فيديو الطيار المفصول بسببه بدأت الحرب عليه من كل الجهات ، قنوات إعلامية وجماهير ومحلات وغيرهم قرروا فتح النار عليه بدون هوادة ، وهذا يجعلنا نسأل ، لماذا هذا الهجوم الشرس ؟! ، وهل مرتبط بأزمة الطيار أم مرتبط بشخص الممثل ورد فعله ؟! ، وللاجابة ، بداية أؤكد أن أكثر الناس حقارة هم المغرورون لأنهم دائما يعتقدون أن لاأحد يساويهم وأنهم على مقام أعلى من غيرهم بسبب النجومية أو الشهرة أو المال أو السيطرة ،،، الخ ، وغالبا مايكون سبب ذلك نقص كبير في الشخصية لدرجة إستصغار شخص ما ، أوحتى شتمه وسبه ، هؤلاء لايعلمون أو يتناسون أنه لاشيئ مضمون في الحياة حتى قلبنا الذي ينبض سيتوقف يوم ما ، فلا تحتقر كيد الضعيف فربما تموت الأفاعي من سموم العقارب
... وبناءا على ماتقدم نشأت طبقة حديثة من الأدباء والكتاب والمثقفون يتصرفون كبورجوازيين مع الوقت ، رغم أنهم ليسوا كذلك ولا أي شيء من هذا القبيل ، ولكنهم يعتبرون وهم (الشهرة والقراء) رأس مال مادي ، كلما زاد تزيد بورجوازيتهم وكلما نقص يقتربون من الإفلاس ، فحين يتحدث بعضهم في وسائل الإعلام يبدون ككائنات قادمة من الأفلاك البعيدة ، كضيوف فضائيين على الحياة في الأرض ، ويخافون تلطيخ ملائكيتهم بوحل الأرض ، أنيقين في كلامهم ، وفي حركاتهم كي يؤكدوا للجميع أنهم مثقفون ، وأنهم يستحقون شرف الظهور في الإعلام وشرف النجومية ، يُظهرون رزانة كافية لتسمية جمل متقنة ، كرزانة الفقراء في أعراس الأغنياء ، حيث يبدون مهذبين وأنيقين أكثر من الأغنياء ، لكن بمسحة فقر تظهر من بعيد ، في نظرة جانبية كنظرات اللصوص أو في تنهيدة ، وبالمناسبة كان (بوكوفسكي) يكره البرجوازية وأربابها ، ولم يقتنع بها يوما ما ، فكان يحمل قنينة معه أثناء القراءات الشعرية ، وأثناء الحوارات التلفزيونية المباشرة ، يدخن ويشرب ويتصرف كأنه في غرفة نومه ، فكان حينما يحتدم النقاش في منتصف الحلقة ، وتحتدم الأسئلة النظرية الكبيرة ، ينهض وقنينته في يده ، وسيجاره مطفأ في فمه ، جارا خيط المكروفون بعشوائية ، ويقول لهم محركا يده في الهواء ، (عليّ أن أذهب يارجال لقد تأخرت) ، وكي يتفادى السقوط يستند على رأس أحد النقاد المحاورين الذي قد يكون بالصدفة أصلعا ، فينتهز الفرصة لصفع صلعته ، أو تقبيلها على المباشر ، كان (بوكوفسكي) أكبر من أن يكون (بورجوازيا) أو يتصف بها لاماديا ولاروحيا لأنه كان يحتقر كل ذلك ، ولايفرق كثيرا بين (التلفزيون) وبين (حانة) بلامكيف تهوية في الأحياء الخلفية
... لذلك يعد (مرض هوس الشهرة والنجومية والسمعة) من مشكلات العصر الحديث ، حتى لتجد أحدهم من متسلقي ومتصنعي (النجومية) يذكر أنه نام ثم إستيقظ ليجد ماقدمه من تفاهات تجاوز النصف مليون مشاهدة ، وأصبح همهم جميعا كم من الإعجابات والمشاركات جمعوا وأصابوا ، ومقياس القوم كم عدد متابعيه ، بل وصل الحد عند أحدهم حتى يقوم بالمتابعة ، ينظر كم عدد متابعيه ، ووصل المرض للجيل الصاعد ، تجده يصور المقاطع والتحديات وهو لم يتجاوز العشر سنوات ، والشهرة والسمعة لم تكن مطلوبة في سالف الأزمان ( زمن الأدب والإحترام) بل يتوارى منها القوم مع مالهم من علمٍ ومكان ، حتى قال الشافعي ، (ليت الناس تعلموا عني العلم ولم ينسبوه إليّ) ، واليوم يسرقون المقالات والمنشورات ، ويسلبون أحاسيس الشعراء فقط لجمع الإعجابات والمتابعات ، وقد أصاب مرض الشهرة حتى الدعاة لدين الله (مشايخ السلطان) مع أن الأصل أنه لله ، فالواجب علينا وأنا أولكم وكلنا في إحتياج لذلك ، التذكير فيما بيننا بإخلاص النية بجعل مانقدمه لله ولو كان المستفيدُ واحداً ، ومجاهدة النفس بدفع الرياء وتمكين الإخلاص في القلب ، والإكثار من الدعاء (اللهم إجعل ما أقدمه خالصاً لوجهك الكريم لارياء فيه ولاسمعة) ، وقراءة حال السلف والخلف مع الإخلاص وتقصي أخبارهم والسير على هديهم
... وإلى لقاء في الجزء التاسع إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق