السبت، 7 ديسمبر 2024

لوحة في الجليد بقلم فؤاد زاديكي

 لوحةٌ في الجليدِ


بقلم فؤاد زاديكي


حينما يَخلو قلبُ الإنسانِ من دِفءِ المحبَّةِ، يُصبحُ مثلَ لوحَةٍ مُجمَّدةٍ في قلبِ الشِّتاءِ، تُغطِّيها طبقةٌ من الجليدِ العميقِ، لا تكسرُها حرارةٌ و لا شمسٌ. تسكنُ في أعماقِها رياحٌ باردةٌ، تعصفُ بكلِّ ما كان ينبضُ بالحياةِ. مثلَ تلكَ اللوحةِ، يسيرُ الإنسانُ في الحياةِ بلا هدفٍ، بلا أملٍ، عائِداً إلى ذاتٍ فارغةٍ لا يمكنُها احتضانُ أيِّ شعورٍ دافئٍ.


في غيابِ المحبَّةِ، تكتسي الروحُ بلونٍ باهِتٍ، كأنّما أُزِيلَت منها ألوانُ الحياةِ، ليحلَّ مكانَها صمتٌ قاتلٌ. يصبحُ الإنسانُ كأنّما في صراعٍ مع ذاتهِ، يبحثُ عن معنًى لوجودهِ في عالمٍ لا يُراعي غيابَ العاطفةِ. يصبحُ الشوقُ إلى الأمانِ كالثّلجِ، الذي يغطِّي الأرضَ، ينعشُها، لكنَّه يظلُّ على سطحِها دونَ أن يُلامسَ أعماقَها، فتظلُّ قاسيةً، جافةً.


في تلكَ اللحظاتِ، لا يَعودُ للذكرياتِ طعمٌ، و لا للأحلامِ قيمةٌ. كأنّما كلُّ ما مضى كان مجرَّدَ وهمٍ، حين يكتشفُ الإنسانُ أنَّه كان يسيرُ في دوّامةٍ من الوحدةِ المحفوفةِ بالبردِ. العيونُ التي كانت تلمعُ بالأملِ، الآنَ لا تراهُ سوى نظراتٍ متعبةٍ، تبحثُ عن بصيصٍ من النّورِ في عالمٍ مظلمٍ.


و قد يبدو الإنسانُ، في لحظاتِ القسوةِ هذهِ، أكثرَ عُزلةٍ من أيِّ وقتٍ مضى. لا يفكرُ في شيءٍ سوى أن يجدَ طريقًا يخرجُ به من تلكَ الدائرةِ المغلقةِ، التي تكبِّلهِ. 

في قلبِه، يشعرُ بألمٍ عميقٍ، إذ يعرفُ أنَّ المحبَّةَ، رغمَ قوتِها، كانت غائبةً في حياتِه لفترةٍ طويلةٍ، و أنَّه قد فقدَ القدرةَ على استشعارِها.


لكنَّ هناكَ، في أعماقِ الجليدِ، ثمةَ أملٌ يظلُّ يتسلَّلُ برقةٍ، يُوشكُ أنْ يذيبَ طبقاتِ البرودةِ التي أطبَّقت على الروحِ. ففي بعضِ اللحظاتِ، تتذكرُ النّفسُ أنَّ المحبَّةَ ليست فقط دِفئاً ينبعُ مِنَ الآخرين، بل هي شعورٌ داخليٌّ لا يحتاجُ إلى مصدرٍ خارجيٍّ. المحبَّةُ الحقيقيةُ تبدأُ من الذّاتِ، و تنتقلُ بعدها لتلامسَ الآخرينَ، فتتحقَّقُ دورةٌ من التّفاعلِ الجميلِ بين البشرِ.


الإنسانُ عندما يخلُو قلبُه من المَحبَّةِ، يُصبِحُ مثلَ لوحَةٍ في الجليدِ، لكنَّ تلكَ اللوحةَ، رغمَ صلابتها، قابلةٌ للذّوبانِ، شريطةَ أن تجدَ الحرارةَ التي تنبعُ من داخلهِ. و عندما يحدثُ ذلك، يُصبحُ الجليدُ جزءًا من الذّكرياتِ، و يعودُ القلبُ لينبضَ بالحياةِ مُجدَّدًا.


المانيا في ٤ ديسمبر ٢٤


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

‏بنك القلوب بقلم ليلا حيدر

‏بنك القلوب بقلمي ليلا حيدر  ‏رحت بنك القلوب اشتري قلب ‏بدل قلبي المصاب  ‏من الصدمات ولما وصلت على المستشفى  ‏رحت الاستعلامات ‏عطوني ورقة أم...