.. { ابن عزيزة وعزُّوز } رواية / رضا الحسيني ( 32 )
.. { محفوظ في إذاعة الشباب والرياضة }
كان أهم مايشغل تفكير محفوظ يومها هو كيف سيحكي لرفاقه كل ماعاشه اليوم بمبنى ماسبيرو ، وهل سيصدقونه أم لا ، فهو يعود إليهم بمخزون هائل مما عاشه في هذا النهار
.. { محفوظ في الزقازيق }
وجاء من الزقازيق نبأ وفاة عم محفوظ الكبير ، أكبر إخوة والده عزوز ، ولا يتذكره محفوظ جيدا ، فلم يره طيلة حياته إلا لمرة واحدة حين جاء شاهدا على عقد قران أخته الكبيرة مجيدة منذ بضع سنين ، كان طويلا ممتليء الجسد أكثر من أبيه وكانت له هيبة كبيرة ، وبعد سماع النبأ سافرت أسرة محفوظ كلها تقريبا في سيارة زوج أختهم الكبيرة ، هناك تفاجأ محفوظ بوجود عم آخر له ذو رتبة كبيرة بالجيش لم يسمع به من قبل ، وعندما سأل عنه عرف أنه أخ لأبيه من امرأة أخرى لم يحبها أبوه
هناك في بيت عمه جلسوا في الحجرة ذات البلكونة الصغيرة بالدور الثاني المطلة على الشارع الرئيسي المسمى وقتها بالشارع الجديد أو السكة الجديدة ، لم يكن محفوظ يعرف غير ابن عمه الكبير ( أحمد ) المحصل بالسكة الحديد ذو الابتسامة العريضة التي صارت من أبرز مايميز وجه محفوظ أغلب الوقت من بعدها، وكان محفوظ يحبه كثيرا فهو واحد من أهم الناس الذين أثروا في عشقه للحكي ، كان أحمد ابن عمه هذا شبه مقيم معهم بالمعادي فيقضون السهرات المتعددة معه وهو يحكي لهم عما يعيشه في القطارات من حكايات ، كانت له طريقة في الحكي ممتعة لايستطيع أحد أن يتركه وهو يحكي ، وهو دائم الابتسام متواضع جدا عاشق لعمه عَزُّوز ، وهذا ربما كان أهم أسباب عشق محفوظ أيضا للسفر والقطارات ، والأغرب أن محفوظ كان يشبهه كثيرا ، ربما يرجع هذا الشبه لمحبة محفوظ لحكاياته بجانب عامل الوراثة ، في ذات الوقت كانت تتردد على بيت أبو محفوظ ابنة أخته (آمال ) عاشقة أخرى لعمها عَزُّوز ، وهي كانت مدرسة وسيدة الحكايات أيضا مثل ( أحمد ) ابن خالها الزقازيقي ، في هذا الجو عاش محفوظ أروع الأوقات والحكايات مما جعله يكبر وتكبر بداخله الحكايات وعشق الحكي من ابن عمه وابنة عمته
ولأنها كانت المرة الأولى التي يسافر فيها محفوظ لموطن أبيه ( الزقازيق ) فكان منبهرا بكل مايراه فيها ، وهي ايضا المرة الاولى التي يدخل فيها بيت عمه هذا وللأسف كانت بعد رحيل عمه ، ورغم انه يومها التقى باغلب اولاد عمه إلا أنه لم يتبقى من هذا التعارف السريع غير القليل بذاكرته ، فقط لايتذكر بشكل واضح إلا ابن عمه أحمد الذي يحبه ، ويندهش دائما محفوظ من أن عائلة الأب دائما ماتكون بعيدة بعكس عائلة الأم ، فهو يعرف تماما كل شيء عن عائلة أمه والزيارات متبادلة فيما بينهم ويخرجون معا للمتنزهات ، أما عائلة والده عزوز فمعرفته بأغلبهم محدودة ، فقد عمته التي بشبرا وعمه الذي بالسيدة وابن عمته المتوفاة صغيرة بطره الأسمنت ، فهل القرب والبعد يعود لمهارة الأم أم لصعوبة عائلة الأب وعلاقته هو بعائلته
_ هو ليه إحنا مش بنعرف كتير من عيلتك يا بابا ؟
_ عيلتي رغم غنها كبيرة جدا لكني بعد زواج والدي من امراة أخرى غير امي لم أتحمل الوضع وتركت البيت وقررت أعيش حياتي بعيدا عنهم ، لم أكمل تعليمي وامتهنت قيادة السيارات حتى عندما دخلت الجيش وبعد أن تم تعيني بالمصنع الحربي ، ومنذ تزوجت أمكم عزيزة لم يعرف بزواجي غير عمك بالسيدة وعمتك بشبرا وابن عمتك بطره الأسمنت ، ولم أدخل غير بيوت هؤلاء فقط طيلة حياتي
لاحظ محفوظ أن سؤاله أيقظ الذكريات الأليمة بداخل والده ، ولمعت عيون الوالد بقدر ماعاشه خلال هذه السنوات الثلاثين الماضية ، كان هذا يقف وراء عدم محبة محفوظ للكثيرين من عائلة والده ، وكيف يتذكر شيئا غيجابيا لجده مبروك وقد عاش والده عزوز كل هذه المتاعب ووجوده داخل بئر الحرمان من كل شيء كل هذه السنوات بسبب جده هذا ، وكلما كبر محفوظ كبر بداخله هذا الرفض لجده الذي لم يرى له ولو صورة واحدة
وغدا نستكمل مع محفوظ بهلول البربري 33
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق