السبت، 25 أكتوبر 2025

لا تفكر في الإنتحار بقلم مصطفى محمد كبار

لا تفكر في الإنتحار

لا تفكر في الإنتحار بلا 
سبب
حاصر كل أوجاعك في زاوية البلاغة
كأول حرف في التشبيه
و أحجم ذاكرتك بألف قصيدةٍ عن
أزلية السراب 
و إن نسيتتها على باب الريح و عدت
تهزي بالحرف
فعد بخيبتك سالماً إلى فراشك الحجري
و احلم بالإعتذار منها حتى 
الصباح

و أنت تمشي بصمت ضياعك في طريقٍ طويل 
لا يؤدي إلا إلى رماد الذكريات 
فلا تفكر بالإنتحار 
و لا تمسح من ورائك بكل أثر الخطوات
التي سرتها كغريب
فقد تحتاج يوماً بأن ترجع لذات المكان 
و تبحث عن ملامحك
الأولى 

لا تفكر في الإنتحار 
و أنت تنام على قلبك بكل ليلة كالحجر
و تحلم بها بشهية
فماذا قالت لك غير إنها كانت مشغولة
على سرير التقاتل 
فلا تمدح بكل السنين الثلاثين معها
بكتب الذكريات 
ضع رأسك بكف الليالي و اغمض عيناك
بالنسيان
كي لا تَرى إشعاع صورتها القديمة 
و تندم 

لا تفكر في الإنتحار 
و أنت تفتش بجسد الحياة عن حياة 
الأخرين 
فإبحث عن دربٍ يرشدك لذاتك
المفقود من بين الغبار
و كن فظاً على سور الأمنيات المسلوبة 
و انتصب 
كخنجرٍ مزروعٍ في صخرة بعيدة
على دروب الملح 
المكسر

لا لا تفكر في الإنتحار 
و حياتك كلها هي ملكٌ للآخرين 
البعيدين 
فحياتك المشبعة بالجفاء مازالت تنقصها 
ترتيبٌ خاص 
بمعنى 
فما سبب وجودك حتى الآن أأدمنتها
مثل موتك
فكأنك كان ينقصك خاتمة لتعيدك لذات
البعيد كي تتألم 
فلا تطلب من المستحيل أن يجعلك 
ممن نجو من 
الموت 
كن بجرحك عادلاً كشكل 
جرحك 
فلا تقترب من حدود السعادة 
فلا يليق بك إلا وجع الحياة المنتصر 
عليك
فلكَ كل الدموع السخية بوقت التذكر
و صورة الأحزان في قلبك 
الراسية
كن كالماء و لا تنكسر حجراً 

لا لا تفكر في الإنتحار 
و أنتَ تحصي بالكواكب البعيدة و تسأل 
النجوم 
لتعرف إلى أي جهة ستعود 
كالملاك
و إن تذكرت رحلة الطيور الأخيرة 
نحو السماء 
قل لنفسك قد قتلتني على حدودك 
البعيدة ثانيةً
و نسيتني يا أيها البعيد كيف أنجو
منك للأبد

لا تفكر في الإنتحار إن كنت لستَ
مستعجلاً نحو بدايةٍ
أخرى
هل تذكرت كل الأشياء التي خسرتها و عدت 
تحزن بالخيبة
حاول لمرةٍ أخرى تجنب الصعود لأعلى المنحدرات 
كي لا تسقط على الفراغ 
الدائم 
فاليتك تمهلت قليلاً حينما أسرعتَ لأيامِ
الوجعُ الاخير 
ها أنا معك أطير بين الكلمات العابرة كخيالٍ
منفرد بالهزيمة الكاملة
و لا نحمل سوى عبء الفراغات و بعض
الصور من الأيام
بجرحنا المتفجر بلعنة الزمن التعيس و نحن 
نتلو 
كشيوخ الدين بالخطابات المتكررة 
لكل التماثيل بلا 
صدى 

لا تفكر في الإنتحار 
يا شاعري و أنت تعدد بالخسارات العديدة 
التي شهدتها قهراً 
فهل عشت يوماً إضافياً واحداً و أنت تنتظر 
قدوم البعيد لا لا 
لا تفكر بالرجوع للوراء عن قصدٍ لكي تكسر
بظلكَ و تخلع جلدك 
فكر فقط كيف تبني من رمادك المبعثر 
سقف السماء 

و أنتَ تحتسي مع اليأس كأساً من ثمل 
النبيذ بذاك المساء 
الطويل
لا لا تفكر في الإنتحار لتشعر
بوجعك
فتهرب من المطر و من الشبح القريب
الذي يراقب جرحك 
القديم 
بوجعك و بنوحك البديل عن شرود الكلام 
بكل صور الذكريات الجميلة 
تلك الأليمة 
توقف عن كل الصلوات الخمس حين تعبر
بأرض الشقاء بسوء
محنتك
فغداً و لوحدي سأدفنُ دونكِ كل الوقت 
بالنهم و أسلو بالإستعارات 
غداً سوف يأتي مجبرٌ مساءٌ آخر حافياً 
بالخيباتِ 
ليدلك على على المنام و يحمي
حلمك المكسور 

لا تفكر في الإنتحار 
و أنت تبحث من حولك عن ذاتك
المفقود 
فلا أنتَ باليمين كنتَ يوماً لتكون 
الآن
و لا بالشمال كنتَ موجوداً حينما انكسرت 
مدرجاً بكل العناوين 
تمهل يا أناياي قليلاً و فكر بكتابة عنوانٍ
جديد لدربك فوق 
المرايا
و اعتذر عني من الحرف الذي سال 
بأسمك 
كي يلين مع الوحي الغائب
بلا أثر 

لا لا تفكر في الإنتحار 
و أنت تنتظر قدوم البعيد لتعانق روحك 
الشريدة 
فلا تحزن هكذا طويلاً و لا تمتحن ظلام 
الليل لتوقظ ظلك الرمادي
المقتول
فإن مر القطار سريعاً على طريق سفرك 
الطويل و أنتَ تأخرت في طريق 
العودة 
قل للغياب نقصتني و أنا عدت
لأكملك

لا تفكر في الإنتحار يا أيها 
الغريب
و أنت تستكمل بطقوس الجنازات برحيلها 
و تبكي مع اللاوقت 
فيا ليتك انتظرتني قبل لحظة الموت
بخمسة دقائق أخرى 
لقلت لك سأمضي معك إلى حلملك 
الشخصي
و أهجر هناك كل سلامتي و كل
الضجر

فلا تفكر في الإنتحار 
و أنتَ تعدُ بأشياء بيتك الخالي من الأرواح
لوحدك و ترتبها لا
لا تقف كالحجر لساعات طويلة أمام 
الباب 
و أنتَ كالشحاذ ترجو من الغياب وجودك
كي تكون معنى للحقيقة 
لا حقيقة ها هنا غير غيابك من شكل الحياة 
و من فرضية البقاء ككل البشر 
الحالمين 
فربما و ربما لن يأتوا من رحلوا فالقد خانوكَ 
من وعودكَ كي يموتوا من
بعدك
فالقد أدمنت لوحدك كل السراب بضيافة 
الوحدة القاسية و أكملت
الخلل 
فكم لعنت دنياك شغباً و لوحدك المفجوع 
صرت تلوم كثيراً بحظك الملعون 
و تكفر بالحياة 

لا لا تفكر في الإنتحار
قبل أن تتمعن بصورتي الحانية نحو الفناء 
و تحفظ شكلها المريب المتعثر
فاليس لك ذنب بإنكسارها هناك يا أيها 
الراسب بكل شيء
فقط اجلس هناك بين الجدران الكئيبة و تأمل 
بصورة الوجع لتعرف من
تكون
و فكر معي طويلاً كما افكر أنا دوماً 
فكم مرةً تحتاجها لتموت 
معي أكثر 
فلا تمضي لوحدك إلى معجزة الحوار مع الذات 
وحيداً 
و أنتَ مكسور الجناح و محطم تماماً لآخر 
مقبرة هناك
و إياك ثم إياك أن تنسى جثتي وراءك و هي
معلقة في الهواء على جدار 
النسيان بالأزلية 
فلو حملتني من هناك لساعة أخرى 
لقلت لك 
فأنا قد تعافيت من نجاتي في الممات  
و جئتُ لأوجعك 

فلا تفكر في الإنتحار يا أيها البعيد 
البعيد 
قبل أن نكبر معاً في جنازتنا 
الواحدة
أو نحيا معاً على دروب الإحتمالات مختلفين 
في كل شيء كي نهدم تلك
القاعدة
فأما أن نكون حاضرين كما الآخرين
لنكون حاضرين
و نحن نراجع بشكل الوقت بعبثية اللاوقت
و إما فلا نكون 
أو دعنا نمضي سوياً بموتنا معاً كما هي 
ولادتنا الأولى نحو قيامة 
أُخرى 
فلا تجعلنا نشعر بأننا أحياء و نحن نشكو 
من التحجر بالخطوات
الثقيلة

لا لا تفكر في الإنتحار 
و أنت تصنع في كل صباحٍ باكر قهوتك
المعادة وحيداً لا
غرفةٌ كئيبة و فراشٌ لم يحالفه الحظ كي
يعاشر سخونة إمرأة
لا و لا فلا أحد معك الآن في هذا الضياع 
الكبير 
لا أحد ههنا ليحضنك بالحب و
بالجسد 
لا أحدٌ سيقول لك أحبك يا حبيبيَ و الحلم
يحمل بكم كالزهور فوق
الندى 
لا أحدٌ الآن يشاركك بكل تفاصيل 
الأحلام 
التي أتعبتك في الإنكسار مع تلك الوحدة 
الظالمة لا لا أحد يتذكر حتى
شكلك

لا تفكر في الإنتحار يا أيها الغريب 
إن حملوا نعشك في الرحيل من كانوا 
عورات 
قل لكل العابربن صبوني بكأس الوداع
كجرحٍ لا يندمل مع
الوقت 
قل لمن كسروك و عبروا ماضيك لينسوا
زمنك 
قل لهم لا تحملوا يا أيها العابرون جنازتي معكم
 بتوابيتٍ من حجر 
حرر نفسك من كل سوء بساحة الغرباء 
و نم بموتك هناك 
كواحدٍ من أهل الغياب على أكتاف المودعين 
المسرعين
و ابكي طويلاً على ماضيك 
و طويلاً  
إن إستطعتَ أن تبكي بآخر قصيدةٍ كتبتها 
بنزف الجراحات

لا لا تفكر في الإنتحار يا صاحبي 
فإنتظرني هناك 
كي أتعرف عليك أكثر و تتعرف علي 
أكثر 
دعني لأحملك بين ضلوعي كراحتي الأبدية 
كوعكتي المشاغبة البدائية 
فقل لي يا أيها المنتظر في زمن الهلاك إلى
زمن الهلاك 
من أين جئتَ إلينا مدرباً هكذا و بارعاً و أنتَ تبني 
بكل هذه المقابر في جسدك و 
لوحدك
فمن علمك طريقة الإحتضار للموت سريعاً 
و هذا البكاء 
من علمك بتراتيل فلسفة المحبطين و عبثية 
الكلام بتلك اللغة المبتكرة
قل لي كيف ملكتني يا صاحبي ألماً و أجهدتني
و أنا مازلت أشيخ بالعذاب في
الكهل
فمن أعطاك من حصتي كل هذه الاوجاع 
و مكانة الخراب 
من أعطاك الحق حتى تمضي بي قدماً و كأنك 
إله الوحي المخضرم 
الوحيد 
فمن سهل لك العبور يا أيها االنائم على أريكة
الحرمان بطريق الوجع إلى 
ليل الساهرين
فإني قد أدمنتك حتى قيامتي حينما متنا صغاراً 
كالفراشات 
و نحن نغزل بالحسرات و نرجو
التباعد

فلا تفكر في الإنتحار 
و أنت تنظر من البعيد إلى بلد المنهلك
في الخراب
فترى الدخان الكثيف يتصاعد من كل
مكان
فسجل على جدار منفاك عدد الشهداء و رقم الهوية 
الوطنية و تاريخ النعوات لشعبٍ لم
يحيا 
و قل لكل من اغتالوك بغربتك البعيدة هناك  
و دمر البلد عن قصدٍ 
قل لهم لقد خنتم كل الآلهة و كفرتم 
بحياتنا البسيطة  
فما أجهلكم فمالكم ترقصون بأرواحنا المليئة
بالبكاء
فعودوا كما كنتم يا مالكين أوراحنا المتعبة
فكم كنتم و كنتم 
خائببن

لا لا تفكر في الإنتحار 
فقد تأتي من وعدتها بذاك المساء العاطفي
و انتظرت طويلاً على غيابها امام
نافذتك الغابرة
لا تنتظر سراباً يا أيها الخاسر المعتوه بزمن
النسيان 
فلن تأتي إليك من خانت بألف ليلةٍ و أحرقت
بكل المواعيد بسيانها
فإرمي بكل الأشياء من حولك من النافذة
غضباً شديداً 
و أملئ شوارع الظلام كلها بالخيبات و أشبعها 
بالحنين و الحسرة 
و بكل القصائد الكثيرة التي دونتها عنها 
و أنت تحرق باللحظات 
من عمرك الساقط 
في الهلاك 

لا لا تفكر في الإنتحار 
و أنت تشاهد أبناء بلدك و هم يقطعون بأشجار
الزيتون و يبيعونه للغريب 
الحاكم
فهل سألتهم لماذا هم يقطعون علينا الطريق
نحو السماء 
فلا تبكي على الخيبة يا أيها المنفي في
دنياك
قل لهم لقد كسرتم بآيات الخلود و أسقطتم
بالشمس ظلاماً و براية الحق 
ليوم الدين 
فأين إيمانكم على طريق الله و أنتم تشربون 
بكؤوس دموعنا حرامكم و أين 
العدل المبين 
عفرين هي بدايتنا و عفرين هي نهاياتنا و هي 
قيامتنا السارية إلى 
الأبدية 
فلا تعبثوا يا منشدون بحياتنا البسيطة و 
بكل حدودنا 
و أنتم تجرون بجروحنا لحياةٍ أُخرى 
لا تشبهنا 

فراغٌ فراغٌ و فراغ 

ها أنتَ تختمُ معي نصك الطويل عن
الحرمان 
و إن عشتَ حياتك كلها و أنت كنتَ تحلم 
معي بالحياة البعيدة
فكر قليلاً بكل الكلام المباح بسردية
التكالب لكن .. ؟

إياك أن تفكر بالإنتحار يا أيها المنسي
على أطراف الأحاديث 
العابرة  
و القصيدة ماتزال بين يديك ترتجف من 
خوفها عليك 
من وجع ....... النهايات 
من ولادة ...... النكسات
من كفر ...... اللعنات الصارمة
الدائمة 
من تألم السماء على نكبات 
الريح 
من سقوط الملائكة بضفاف العمر المحكوم 
بالموت بجهة العذاب حتى آخر
العذاب ....... 

ابن حنيفة العفريني 
مصطفى محمد كبار ١٩ / ١٠ / ٢٠٢٥
حلب سوريا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

إلى من سألني بقلم عبدالرحيم العسال

اخميمي ( إلى من سألني : هل انت اخميمي؟)  =========================== نعم يا عم أخميمي. وكم ازهو به وطنا لنا إرث وتاريخ. ونيل...