لا أعرف...
من فقأ عين النهر
ولا من ألقى ظِلّ الجسر
في حلق الغرقى
كلّ ما أعرفه
أن الماء كان يحاول
أن يتذكّر شكله القديم
حين كان غيمةً
تتدحرج على ظهر السماء
بلا خوف من الأرض
قبل أن تتعلم الأشجار
فنّ الانحناء لمن ينحتها
وقبل
أن تتدرّب الطيور
على الصمت فوق الأسلاك
كالمتّهمين في محكمة الهواء
مات الراعي
قبل أن يسمع آخر ثغاء
من قطيع أحلامه
أعرف أن الريح
لا تسأل عن رخصة المرور
حين تهدم خيمة فانوس
وتترك الليل أعمى
على قارعة السهر
وأعرف...
أن الذي كسر النافذة
لم يكن يقصد اختلاس الضوء
بل كان يبحث عن وجهه
في مرايا الآخرين
لي فكرةٌ رخوة
عن السبب الأول
لانهيار الجُدران
التي بنيناها
لنحمي رؤوسنا
من صداع الحياة
أحدهم
وضع أذنه على صدر الطين
ليسمع نبض الله
ثم فقد السمع
وفي اللحظة نفسها
تعثّرت المدينة
على حواف صمتها
مثل طفلة
نسيت أسماء عرائسها
أعرف
أن لا دليل عندي
على ما قلته عن النهر
عن الريح
عن الفانوس
عن الراعي
عن القطيع
عن الذاكرة
عن الجدران
كل ما عندي
مجرد رماد
حاول أن يكون طائرًا
فخانته الأجنحة
ولي يقين
أن امرأةً كانت تراني
من خلف زجاج الغياب
تمدّ يدها لتلتقط
فتات الدهشة من ثغري
لكنها
انشغلت
بتلميع الحزن
حتى صار لامعًا
كخاتمِ عرسٍ
ضاع العريس
قبل أن يلبسه
ولأني رأيتها
وهي تسأل جدوى الكلام
تركت القصيدة
تتدحرج
كحجرٍ صغير
في حلق الصراخ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق