✍️محمد حلاوة
حين يهبط الشتاء على غزة، لا يهبط كمطر يروي الارض وينعش الروح، بل يهبط كاختبار جديد لقلوب انهكها الحصار، ووجوه حفرت المآسي خطوطها عليها.
ففي هذه المدينة الجريحة، يصبح المطر ـ ذلك الضيف الذي تنتظره الارض بشغف ـ زائرا ثقيلا يقتحم الخيام الهشة، يبلل البطانيات الممزقة، ويطرق ابواب البيوت المهدمة التي لم يبق منها الا جدار يستند اليه الحنين.
الخيام تغرق…
والاطفال يصحون في منتصف الليل على صوت مياه تتسرب اليهم، لا يحملون مظلات، بل يحملون خوفا اكبر من اعمارهم.
برد لاذع يلسع الجلود، يمر على العظام كسكين، ولا يجد ما يوقفه؛ فلا وقود يدفئ البيوت، ولا حطب يكفي، ولا كهرباء تشعل حياة صغيرة في هذا الظلام الممتد.
في شوارع غزة، تتحول الطرقات الى انهار موحلة، لا يجد المارة منها الا قفزات فوق الحفر واملا ضئيلا ان لا تبتلعهم المياه.
البنية التحتية التي كانت يوما شرايين مدينة تضخ الحياة، صارت الان اطلالا تعجز عن حمل قطرة مطر، او عن حماية طفل يركض بحثا عن دفء مفقود.
الوقود… هو الآخر غائب، كأنه تخلى عن الناس في لحظة يحتاجونه فيها اكثر من اي وقت.
مواقد لا تشتعل، سيارات متوقفة كقلوب تعثرت نبضاتها، ومستشفيات تقاوم البرد كما تقاوم الموت.
ومع كل ذلك…
تمضي غزة.
تتشبث بالحياة كما تتشبث شجرة زيتون بجذورها في وجه الريح.
تضم اطفالها، ترمم خيامها، وتشعل نورا خافتا من فتيل صغير، لتقول للعالم:
لا زال فينا ما يستحق ان يحيا، وما يستحق ان ينبض.
فالشتاء مهما اشتد…
لن يطفئ دفء قلوب اعتادت ان تولد من بين الركام، وان تضيء عتمتها بنفسها.
@الجميع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق