قصة رعب قصيرة
مطاردة وهمية
بقلم : خالد القاضي
🧟♂️🧟♂️🧟♂️🧟♂️🧟♂️
توقفت سيارة الأجرة أمام الطريق الترابي المؤدي إلى قريتي ...ترجلت منها ونقدت السائق حسابه الذي طلبه مني،
وأنطلق مبتعدًا في حال سبيلة مع بقية الركاب ،وأصوات الغناء الصادرة من مسجلة سيارته تبتعد وتخفت ...وتخفت حتى إختفت أنوار السيارة والغناء ، في قلب الظلام الدامس في تلك الليلة المظلمة إلا من ضوء خافت لبقايا قمر آخر الشهر ، الوقت الآن يقترب من منتصف الليل ، ما الجنون أو الغباء الذي دفعني لأن أسافر من المدينة في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟؟!
هل هو شوقي لزوجتي الغالية؟؟أعتقد ذلك فلم يمض على زواجانا سوى شهر واحد ، ولي يومين غائب عن المنزل وأفتقدها جدًا ، ولكن السفر في هذه الساعة من الليل يعد إنتحارًا، وخاصة إلى مكان مهجور كهذا ، كان المكان خاليًا تمامًا من كل حياة ...إلا من ذلك الهلال المتهالك الذي لا يصدر إلا القليل من الضوء الباهت ، والنجوم لا تكاد تُرى ،تنهدت تنهيدة قلق وخوف ،لقد إرتكبت حماقة كبيرة جدًا، حملت حقيبتي الصغيرة التي تحوي مبلغًا كبيرًا نسبيًامن المال حصلت عليه نظير عملي الهندسي الذي ذهبت من أجله إلى المدينة صباح أول أمس ، وجهاز لابتوبي الخاص بالعمل ، وهدية صغيرة لزوجتي الغالية .
وبدأت السير ،كان حلقي جافًا بسبب ما أشعر به من توتر و خوف ، بللته بقليل من الماء من قنينتي التي أحملها في جيب سترتي الخارجي ، وأعدتها إليه لم يبق فيها الكثير من الماء والمسافة طويلة ، ياللغباء ... أول مرة أشعر فيها أنني أغبى بشري على وجه الأرض ، رغم ذكائي التعليمي والعلمي الكبيرين ، إلا أنني غبي جدًا جدًا ، تنهدت مرة أخرى بعمق وأنا مستمر في مواصلة سيري الحثيث ،رائحة الغبار المتصاعد من تحت قدمي يملأ أنفي ،فجأة لمعت فكرة أخرى في رأسي وتبينت منها كذلك أنني غبي جدًا ...لماذا لم أتصل بأبي أو أخي أو حتى زوجتي ليرسلوا سيارة من القرية تقلني أو حتى دراجة نارية ، (غبي
..غبي )وجدتني أردد هذه الكلمة بصوت مرتفع وكأنني أحدث شخصًا ما ، والعرق يتصبب من جهات وجهي وجسمي كلها رغم برودة الجو النسبية ، توقفت وأخرجت هاتفي السيار من جيبي وأضأت شاشته ،لا تغطية هناك ، بطاريته توشك على النفاد لم يبق منها الا ٢٠ % ،شعرت بالغيض الشديد تجاه نفسي وعدت أسير بعد أن أرجعت تلك القطعة التي لا قيمة لها هنا المسماة (هاتف) إلى جيب سترتي الداخلي ، لن أستخدم كشافه حتى لا تنفد بطاريته ، لعلي أجد تغطية وأتصل بعائلتي ، تعمدت أن لا أتصل بهم من بعد عصر اليوم لتكون عودتي مفاجأة ، أخبرتهم قبل الظهر أن لا يتصل بي أحد فأنا مشغول جدًا ، كنت أسير معتمدًا على ضوء الهلال الشحيح ،كنت أتلفت حولي نحو الأكوام الترابية المختلطة بالصخور التي على جانبي الطريق ،كنت أشعر أن هناك من يراقبني منها، فأحث الخطى وألهث بشدة وقلبي يخفق بعنف ،كل تلك الأشكال الشبحية على الأكوام ، أشخاص يراقبونني ويتربصون بي ،أو وحوش مفترسة تتحين اللحظة المناسبة لتنقض علي وتنهش لحمي ، ولن يجدوا مني في اليوم التالي إلا بقايا عظام وملابس ممزقة، ولابتوب محطم ونقود متطايرة ومبعثرة، وهدية زوجتي الحبيبة دفنتها الاتربة من هول المعركة الضارية ، حاولت أن أبتلع ريقي ولكن فمي
وحلقي جافين تمامًا ، وأنا أسير بشكل أكثر سرعة هو أقرب للجري منه للمشي .
كنت أرتشف رشفة واحدة من بقايا الماء حتى لا أموت عطشًا، إذا نجوت من التمزيق ،
تعثرت ووقعت مرتين أو ثلاث حين تصادفني صخرة صغيرة لا أتبينها، أو حتى كنت أتعثر بلا شيء لشدت توتري وفزعي كان كل شيء يعد حجر عثرة امامي حتى الهواء.
فجأة علت جسدي قشعريرة شديدة ،وخوف شرس مبهم ،أشرس مما سبق من الخوف، كان يهاجم قلبي بقوة ، وارتجفت أوصالي بشكل كبير ، فقد شعرت ان هناك من يتبعني ،بل سمعت فعلًا ، بسبب الصمت المطبق ،صوت خطوات مكتومة ، تنبعث من خلف ظهري ،والتفت للخلف ،
وقف شعر رأسي واتسعت عيناي وكدت أصرخ مولولًا فزعًا كالنساء حين يفاجأها فأر أو صرصور.
لقد كان هناك ثلاثة أشباح أو أربعة ، أو ربما أكثر لم أميز ذلك جيدًا بسبب الضوء الباهت ، المهم أن هناك مطاردين فعلًا ،كانوا يجرون نحوي بسرعة وخفة تبينت ذلك مم قمم رؤوسهم التي تعلوا وتهبط ،
إعتراني الفزع حتى عمني وكل ما حولي تقريبًا، وبلا شعور أو مقدمات ، أطلقت ساقي للرياح ،
وبكل قوتي ...
****
جريت ...وجريت ...حتى شعرت أنني تحولت إلى آلةٍ للجري ..فالموت خلفي يطاردني بشراسة .
شعرت أن حذائي الأنيق يعيق جريي فخلعته بسرعة جنونية وتركته خلفي وأنا أسترق نظرة خاطفة نحوهم ، كانوا في أثري، وعدت أجري بشكل هستيري ،كنت أدعو الله في سري أن أجد من ينقذني من الموت المحقق ، رغم أنني لا أذكر متى كانت آخر مرة صليت فيها ، أو دخلت مسجدًا ، هناك مجموعة من الذئاب البشرية من قطاع الطرق القتلة ، تتبعني لتحولني إلى أشلاء وتسلبني كل ما أحمله حتى روحي (إلهي إن أنجيتني هذه الليلة من هؤلاء فلن أترك صلاة قط ..يااااارب نجني منهم ...يااااارب)
ودمعت عينايا هذه المرة دموعًا غزيرة ،كانت تحجب رؤيتي المحجوبة أصلًا بالظلام ، والخوف ، كدت أقع عدة مرات ولكنني تمالكت توازني بشكل عجبب ، وفي إحدى المرات سقطت فعلًا ، ممتدًا بطولي على الطريق الترابية ،وامتلاء فمي ووجهي وملابسي بالتراب وشعرت بالم شديد ، من المؤكد أنني قد جرحت في عدة أماكن ، وقفت بسرعة غير مبال بنفض التراب عن وجهي أو ملابسي أو ألمي ،وأخطفت حقيبتي التي وقعت غير بعيد مني حين تبينتها بصعوبة، وعدت أجري بكل قوة ، والألم يعصر جسدي عصرًا ، (يا رب ...يا الله ...يا رب ..ياالله) كنت أهمهم بها من بين أنفاسي المتقطعة المتهدجة، تسبب جفاف حلقي وفمي ، إلى شعوري بطعم الدم فيه، وقنينة الماء سقطت مني ولا أعلم أين، فلم تعد موجودة في جيبي ،على العموم لم تكن تحوي الكثير من الماء ،ربما رشفة او رشفتين لا تكفي لتبل فمي حتى ، كان العرق يغسلني غسلًا،
حانت مني التفاتة للوراء وقد قررت أن أيأس وأستسلم لهم، فقد بلغ مني التعب مبلغه وشعرت أن الموت على أيديهم أرحم من هذا الجري والتخبط ، طلقات أو طعنات وينتهي كل هذا الهراء ، وياللمفاجأة لم يكن هناك أي أثر لأشباحهم ،خففت من سرعتي لأتأكد من الأمر ، فعلًا لم يعد هناك من يتبعني ،هل كان كل ذلك وهمٌ تخيله عقلي المريض بالرعب والخوف ،هل كانت مطاردة وهمية إختلقتها لنفسي، خففت أكثر من سرعتي لاستجمع أنفاسي التي كادت تتوقف تمامًا، وأنا لا زلت أنظر خلفي ، وتأكدت فعلًا أن لا أحد هناك (الحمد لله ..الحمد لله لقد تعبوا وتقفوا عن ملاحقتي ....) قلتها وأنا أكاد أضحك بشكل هستيري فرحًا وسعادة،وفي غمرة فرحي نسيت ألمي وتعبي وعطشي، وتنهدت بعمق وإرتياح .
وأدرت عيني للطريق أمامي لأواصل مشيي نحو منزلي و زوجتي لألقي نفسي عليها وأبكي في حظنها كثيرًا ...
كثيرًا جدًا ...
و....
و....
اللعنة ..
لقد كانوا أمامي مباشرة ، ولم يمهلوني كثيرًا ، وشعرت بلا مقدمات بعدت أشياء تخترق جسدي بسرعة من عدة جهات وبأيادي كثيرة مجنونة ،تطعن وتطعن ،وشعرت بدفء الدماء يسيل على جسدي والدموع تنهمر من عيني وصورة زوجتي الباكية يلوح لي في الافق كضوء..
ومادت الدنيا أمام عيني وسقطت ولم أشعر بعدها بشيء أبدًا...
تمت