«(10)»فلسفة الموت والحياة«(10)»
رؤيتي : د/علوي القاضي.
... وقفنا فى الفصول السابقة على رأي الفلاسفة وعلماء الإسلام والمتصوفة في فلسفة الموت والحياة ، كما شاهدنا كيف تناول الأدباء والشعراء وأبطال قصص الحب الشهيرة في فلسفة الموت والحياة ، كما شاهدنا فلسفة القدماء المصريين والبوذيين في الموت والحياة ، وكيف كانوا يمارسون التحنيط لأمواتهم ، وختمنا في الجزء التاسع برأى اللادينيين أمثال (صادق هدايت) ، ولاتزال المفاجٱت في تناول تلك الفلسفة العميقة واللامتناهية
... وكان سقراط يؤمن بأنه ليس هناك شئ أشد على الإنسان من الموت مثل (الوهم والإيحاء والخوف) فجميعهم يفقد الإنسان حياته ، كان لسقراط جارٌ (طبيب) إعترض وإستنكر عند الملك إطلاقَ لقب الطبيب الأول على سقراط ، فسأله الملك عن طریقةٍ یُثبِتُ فیھا أنه الأفضل لنقل اللقب إليه ، فقال الطبیب سأسقی سقراط السمّ ! ویسقیني كذلك ، ومن یعالج نفسه فهو الأصلح ! ، وحُدِّدَ الموعدُ ، وإنهمك الطبيب خلالها في تحضير الوصفة (السم) ، فيما إستدعى سقراط ثلاثة رجالٍ ، وأمرهم بسكب الماء ودقّه كل يومٍ على مسمعِ جاره الطبيب ، وفي يوم الإمتحان ، أعطى الطبيبُ بحضرة الملك السمَّ لسقراط ، فلما شربه أصابته الحمى ، وعالج نفسَه ، ثم أمرَ الملكُ الطبيبَ أن يَشرَبَ سمَّ سقراط ، ووقع الطبيب صريعاً على الأرض ، هنا قال سقراط للملك ، لم أعطِه سمّاً ، بل ماءًا عذباً ، وسأشرب منه أمامك ، وفَعَلَ سقراطُ بكل ثقة وسلامة ، لقد قَتَلَ سقراطُ منافسَه بقوة (الإيحاء والوهم والخوف) ، فأَسْمَعَه دقات الموت على مدار الأربعين يوماً ، وماكان يدقُّ إلا الماء ، لكن الوهمَ والخوف قتلا صاحبَه لذا فمن ينهزم بداخله فلن ينصره أحد ، ومن ينتصر من داخله فلن يهزمه أحد !
... وأواسي نفسي وأواسيكم أحبابي ، فإن رائحة الموت تفوح كل يوم في كل مكان ، ولم يبق لي إلا شئ ثابت ، أن أفتح كل يوم حسابي وأبحث عن بوستات عن الموت أو أخباره ، حقا أصبحت الدنيا مرعبة ونحن تائهون في صراعاتها وتناسينا أن دورنا قادم لامحالة ، نتسارع علي الحياة ونتهافت ، وكأننا نملك كل مافيها ، حتى يأتى الموت المفاجئ ليخبرنا بأنه ليس بين دنيانا وآخرتنا سوى لحظة ، وأن الموت أقرب إلينا من حبل الوريد ، (لاالدنيا لنا ، وماكنا يوماً للدنيا ، كلنا لله ، وكلنا إليه راجعون) ، فكلنا جنائز مؤجلة ، فالموت زائر لايتأخر طرفة عين
... غريبة قصتنا مع الموت ، حقاً غريبة ، منذ ولدنا نعرف بأن الموت مصيرنا في أي لحظة ، ونعرف أن أحداً لن يهرب منه مهما فعل حتى لو تحصن في بروج مشيدة ، ولكن طال العمر بنا أو قصر يصدمنا حدوثه دائما ، سواء مرضنا قبله أم لا ، سواء عرفنا باقترابه أوحدث فجأة ، لكن ننصدم أنه حدث ، وكأنه لم يكن ليأتي أبداً ، وللأسف بغفلتنا وجهلنا نسقطه من حساباتنا ونتناساه ، وكأننا بذلك نلغي وجوده ، وهو يظل ذاك الضيف الدقيق في موعده الذي لايتأخر لحظة واحدة ولاطرفة عين ، نخافه ونهابه ونعلم بأنه مجرد عبور لمرحلة تالية
... مع الموت ، نحن نهاب فقدان أحد الأحبة من حياتنا ، فقدان جزء من ذاكرتنا معه ، فقدان روتين حياتنا ، وإيقاعها ، مع أنه يأخذ معه كل مامر بإدراكه ، بينما نتمسك نحن بتلك الأجزاء التي شاركناها معه ، بل ومواجهة الكثير الكثير من أسئلة (نفسنا اللوامة) ماذا لو ؟!
.. ماذا لوكنا أحببناه أكثر ؟!
.. ماذا لوكنا زرناه أكثر ؟!
.. ماذا لوكنا كلّمناه أكثر ؟!
.. ماذا لوكنا أدخلنا الفرحة في قلبه أكثر ؟!
.. ماذا لو كنا إبتعدنا عن أحكامنا وتعاملنا معه بكل عفويتنا وحقيقتنا دون قيود ولاكبرياء ولاتردد ؟!
.. ماذا لوكنا حقيقيين معه ؟!
.. ماذا لو ،.،.، ؟!
... كلنا نعلم أن الموت حق ولكن ماأصعب الفراق ، فالحياة لابد وأن تنتهي ويودع كل منا الآخر وداعاً لارجوع من بعده ، ويبقى الموت هو الحقيقة الوحيدة في الحياة ، ويبقى فراق الأحبة بالموت هو أقسى فراق ، هو أقسى وجع ، مازلت أؤمن أننا لانبكي الميت على ذهابه عنا ، ولكن لبقائنا بدونه ، ونعرف جيدا أن لافراق يكسر القلب إلا فراق الموت ، الموت الفجأه يظل صدمة كبيرة ، والفراق إحساس صعب جدا ، فحينما تكون وحدك ويمر أمام عينك ذكرياتك مع شخص غال عليك وشاركك في كل تفاصيل حياتك وتحدث نفسك بأنك ليس بوسوعك أن تراه مرة أخرى أو تسمع صوته ، بالتأكيد إحساس صعب لايشعر به إلا من جربه ، لأنك حينما يموت أحد الأحباب تشعر وكأن جزء منك مات معه ، وتظل على حالتك هكذا ، تموت منك أجزاء مع كل حبيب تفقده ، حتى يأتي الموت فيأخذ ماتبقى منك ويذهب وتلحق بأحبابك
... وللأسف نحن في غفلة ، يصاب إبن آدم كل يوم وليلة بثلاثة إبتلاءات ، ولايتعظ :
.. (الأول) عمره يتناقص كل يوم ، ولايهتم له ، وإذا نقص من ماله شىء ، إهتم ، وهو يعلم أن المال يعوض ، والعمر لايعوض
.. (الثاني) في كل يوم ، يأكل من رزق الله ، فإن كان حلالا ، سئل عنه ، وإن كان حراماً عوقب عليه ، ولايدرى عاقبة الحساب
.. (الثالث) في كل يوم ، يدنو من الآخرة قدراً ، ويبتعد من الدنيا قدراً ، ورغم ذلك لايهتم بالآخرة الباقية بقدر إهتمامه بالدنيا الفانية ، ولايدري هل مصيره إلى الجنة العالية أم إلى النار الهاوية
... أخي الكريم يامن تهدر حياتك وأيامك في الدنيا ، (المٌباراه) 90 ﺩقيقة ، (ﺍﻟﻤﺴﻠﺴﻞ) 60 ﺩقيقة ، ﺍﻟﻔﻴﻠﻢ 130 ﺩقيقة ، (ﺍﻟﺼﻼﺓ) 5 ﺩﻗﺎﺋﻖ ، و (ﺟﻬﻨﻢ) ﻣﺪى ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ خالدة ، و (الجنه) مدى الحياة خالدة ، تأملوها جيدا ، ورغم أن في حسابك 3000 صديق ، وفي هاتفك 80 صديق ، وفي منطقتك 50 جار ، وفي الشده 1فقط ، ولا أحد في جنآزتك غير (أهلك) ، وأنت في القبر (وحدك) مع ماقدمت من عمل ، لاتستغرب فهذه هي الحيآة ، حقيقة (لاينفعك إلا صلاتك) ، فإذا وجدت غباراً على مصحفك فابك على نَفسك ، فمن ترك قراءة القرآن ثلاثة أيام منْ غير عذر سُميّ هاجراً !
... أحبابي نحن في (عالم غريب) ، جنازة تِلو جنازة ، وفاةٌ بعد وفاة ، وأخبار الموت كالصواعق ، فلان بحادث سيارة ، وآخر بمرض ، وآخر كان يمشي وسقطَ ، كلهم تركوا الدنيا وراء ظهورهم ودفنّاهم تحت التراب ، فحتماً سيأتِي ، يومي ويومك ، فجهّز العدّة لسفر ليس منه رجوع ، يامن تؤخر التوبة بحجة أنك صغير ، عفواً فالمقابر ليس مكتوب عليها (للكبار فقط) ، واعلم أن الحياة ثلاثة أيام :
.. (الأمس) عشناه ولن يعود
.. (اليوم) نعيشه ولن يدوم
.. (الغد) لاندري أين سنكون
.. فصافح وسامح وتصدق ، ف (أنا) و (أنت) و (هم) راحلون ، واعلم أنه من عاش على شىء مات عليه ، ومن مات على شىء بعِثَ عليه فاحرص أن تكون نهايتك على طاعة
... والموت يتعامل مع جميع المخلوقات بمساواة ، ويحدد أقدارهم دون تحيز ، ولايميز بين الغني والفقير ، ولا بين الوضيع والسامي ، إنه يضع البشر والنباتات والحيوانات بجوار بعضهم البعض في قبورهم المظلمة ، فقط في المقبرة يتوقف الجلادون والسفاحون عن التصرف بظلم ووحشية وإستبداد ولاتُنتهك البراءة ، في المقبرة لاوجود لقاهر ومقهور ، ويستلقي الشاب والعجوز في سلام ، ياله من نوم مبهج ! ، لن يرى بعده الإنسان صباح اليوم التالي ، ولن يسمع مطلقا مافي الحياة من تهديد ووعيد ، إن الموت أفضل مأوى ، إنه ملجأ من الآلام والأحزان والمعاناة والقسوة
... اَه ،، كم كانت الحياة ستكون مريعة ومؤلمة إذا كانت بلا نهاية
... أسألكم الدعاء لعلي أنا القادم
... تحياتى ...