# قَراءَةٌ لِنصٍّ أدَبيٍّ..
(رُدَّني إلـىٰ بِلادِي
مَعَ نَسَائِمِ الغَوَادِي)
َأنشدَ "سعيدُ عقل" قَصيدةً مَشهُورةً،
غَرَّدتهَا بَعدهُ " فيروز "؛ وَ كِلاهُمــــا
ما سِوَىٰ الوَفاءِ لِلبلادِ زَادٌ لَــــهُ!
كَمْ هوَ قاسٍ شعُورُ الإنسانِ الوَاعي
بِحَـــاجتِهِ إلـىٰ وَطنٍ، معَ إنَّهُ يَعيشُ
في وطنٍ وُلِدَ فيهِ، وَ نَشأَ عَلـىٰ حُبِّهِ!
المقَدَّمَـــةُ:-
النَّصُّ الأدبيُّ شكلٌ منْ أشكالِ الكِتابَةِ، المُعبِّرةِ عنْ أفكارٍ وَ مشاعرٍ عـَميقةٍ في تَجربةٍ إنسانيَّةٍ، بِطريقةٍ
جَماليَّةٍ وَ فنيَّةٍ، مُتَفرِّدةٍ في الإسلوبِ وَالمَوضُوعاتِ، تَجذبُ المُتلقّي
لِلتَواصلِ وَ التفاعلِ معَ مَضمونِ
النَّصِّ، وَ اشراكِهِ في التَّجرِبةِ.
وَ الاغْترابُ في حَركةِ الحَداثةِ ظاهِرةٌ عامَّةٌ في الأدبِ العَربي المُعاصرِ، تُعنَىٰ بِالشعُورِ الإنساني الوَاعي وَ حاجتِهِ إلـىٰ وَطنٍ، معَ وجودِهِ في وَطنٍ وُلِــدَ فيــهِ
وَ نَشَـأَ علـىٰ حُبِّهِ، لَـٰكنَّــهُ تَغَيَّـرَ كَثيـــرًا بِحيثُ لمْ يَعُـدْ بالإمكانِ العَيــشُ فيـــهِ
وَ الإرتياحُ إلَيهِ.
وَ الاغْترابُ نتيجةٌ مباشرةٌ للبحثِ
عنِ الابتكارِ وَ الحَداثةِ، لَدىٰ الشُّعراءِ العَنيدينَ، الَّذينَ أَسَّسُوا عُرًىٰ وَثيقَةً،
وَ صِلاتِ تَلاحُـمٍ بينَ الاغتـرابِ..
وَ مَحاولاتِ التَّحديثِ.
أولًا:- أَصلُ المَوضُــوعِ نصٌّ أدبيُّ
العنوانِ:- "عَلـىٰ نَاصِيَةِ شَفَقٍ"
الكاتِبةُ:مَيسُون يُوسُف نَزَّال-فَلسْطين
القَراءَةُ:- صاحِب ساجِت/العِرَاق
النَّصُّ مَوضُوعُ القَراءَةِ:-
" عَلـىٰ نَاصيَةِ شَفَقٍ "
هُناكَ..
خَلفَ حُطامِ المَوجِ
شِلْحٌ زَنْبَقِيٌّ أَيقَظَني..
كُنتُ أَنتَظِرُ
نَعمْ.. كُنتُ أَنتظِرُ!
تَتلبَّدُ فيهِ طفُولَتي
كَغَيمَةٍ مَنسيَّةٍ ذاتَ شِتاءْ
أتَجرَّعُ مُؤنَ القَدرِ
عَلـىٰ أقداحِ الظَّمَأِ
تَأتيني مُنسابَةً
كَأنَّهَا لا تَخضَعُ لِقَوانينَ التَّفتيشِ
عِندَ حدُودِ النِّسيانِ
أنسَاقُ وَراءَ العُرَىٰ
أتَلحَّفُ برُودةَ الصِّراعِ
تَمتصُّ شَوقي صَحراءُ مُعتمَةٌ
كَأنَّهَا المَنفىٰ عَلـىٰ رمالٍ
مِنْ وَطنٍ
اِستَوطَنَتْ بهِ طيُورٌ
تَبحَثُ عنْ عاشِقٍ
نَسِيَ رسائِلَهُ بَينَ الغَمامِ
لا يَعلمُ حَتَّىٰ.. إنْ مَسَّهَا بَشرٌ!
أوِ اِلتَهَمتْهَا عَقاربُ التِّيهِ وَ الأحزانِ
أَغوصُ أَنَــا.. وَحيدَةً
في تُرابٍ لمْ يُصْنَعْ منْ أجْلي
مَعَ المَطر
أتصدَّرُ نَفيرَ الهجُومِ
لا أملِكُ سَيفًــا..
خِنجِرًا..أو حَتَّىٰ قَلمًا
أستَلقي بَينَ مَفاتِنِ العَبَقِ
أَخلَعُ نَعلي ...فَأرضي مُقدَّسةٌ
سَأُدوِّن عَلـىٰ جِدرانِ الأمسِ
تَحتَ قَدمي
نَخلةٌ
تَرتادُ سنَابكَ الجُّنونِ
أمْضي هُنا .. أمْضي هُناكَ
أُقبِّلُ عُلوُّهَــا.. أنتَهكُ الثَّرَىٰ
أبْحَثُ فيهَا عنْ بُكاءِ العَذارَىٰ
عنْ شَوطٍ ..يَبتلِعُ قَواعدَ الزَّحفِ
عَلـىٰ ألفِ جَليدٍ ..مِنْ ألَقِ
آهٍ .. يَـا جُرْحي المُقدَّسِ
أتقَنْتُ قَضْمَ جَمرَكِ
اِبتلعْتُ أقرَاصَ النَّحيبِ
عَلـىٰ قِمَمٍ منْ عَدمِ..
غَدًا في الخَمسينَ منْ عُمري
سَيجمَعُ القَهرُ لي أكفانَ
رُويدُكَ.. رُويدُكَ.. أَيُّهَـا الألَمُ!
تَمهَّلْ!
مَا تَزالُ بَراءَتي تَكبرُ بِداخلي
مُحتَرقَةً
تَمهَّلْ.. فَالعاصِفَةُ قَويَّةٌ
شَراعي مَكسُورُ الأجنحَةِ
أَخَذَتْهُ رياحُ الحُلْمِ
عَلـىٰ قِرميدِ ضَيعتِنَـا..
أَ ضَوءُ الشَّمسِ يَأخُذُني؟
أمْ نَبضُ الشُّوقِ؟
أو سَيفًا يَمحِقُ الأنينَ خَلفَ جِدارٍ
آهٍ .. يَـا وَجعي..
كَمْ حَمَلَتْني شِطآنَ الغَضبِ
عِندَ الغُروبِ
عَزْلاءُ أَنَـا ... في زِنزانَةٍ اِسْمُهَــا
أَنَـا عَرَبيَّةٌ.. بِلا مَأْوَىٰ!
(مَيسون يُوسُف نَزَّال/فَلسطِين)
ثانيًا:- مُلخَّصُ النَّصِّ
خَلفَ حُطــامِ أمـواجٍ تَتزاحـمُ
في طريقِهــا لِلإنكسـارِ علـىٰ صخُورِ
الشَّــاطئِ، بـاقَــةُ وَرْدِ الزِّنبقِ تُوقِـظُ شَخصيةَ النّصِّ الإفتراضيَّةِ، السَّارحةِ في غَيَاهِبِ اِنتِظارٍ طويلٍ.
وَ قطعًا إنَّ الأَولَويَّةَ في تَعريَةِ
وَ كشفِ ألمِ الطُّفولةِ، بَعدَ تَغطِيَتِهِ
بِدِثارٍ أشبَهُ بِالغيمَةِ في شِتاءِ عالمِ
المَرارةِ وَ المعاناةِ المُنسابةِ بِسلاسةٍ
وَ لا تهتمُّ لِمُحدَّداتٍ قانونيَّةٍ آنيَّةٍ.
هٰذَا الدِّثارُ لا يَمنعُ ارْهاصاتِ نَفسٍ، حَشـرَتْ زُوَّادَةَ الإحســاسِ بِالحَنيـنِ، وَباتتْ تُؤرِّقُ صاحبَها، وَ لا نصيبَ لهُ سِوىٰ أقداحِ الظَّمأ، وَ زمهريرِ الصِّراعِ معَ صحراءَ قــاحلةٍ وَ معتمَـةٍ، مَنفَىٰ علـىٰ رمالِ وطنٍ مُستَباحٍ، اسْتَوطنتْ بهِ طيُورٌ تبحثُ عنْ مَنْ يُبادلُهَا شعُورَ الحُبِّ، عنْ مَنْ تركَ بصمةً في دَفترِ الذِّكرياتِ البَالي، دونَ أنْ يُعرَفَ مَدَىٰ مَقبُوليتِها وَ الإهتمامِ فيهَا.
ينتقلُ بنَا ضَميرُ المتكلمةِ إلـىٰ زيادةٍ في التَّعذيبِ!
(أغوصُ أَنَـا.. وَحيدةً
في تُرابٍ لمْ يُصنَعْ مِنْ أجْلي
مَعَ المَطرِ..) النص
وَ هو غَوصٌ في وحلِ المَجهولِ، لِقدرٍ مكتوبٍ سلفًـــا، فيُبادرُ مَشهدٌ جديدٌ بالهجومِ علـىٰ أعزلٍ منْ سيفٍ أو قلمٍ..
ما جُبِلَتْ عليهِ يَصدُّها عنِ الإستسلامِ، لِتُعيدَ حِساباتِها، وَ هي في استرخاءٍ
تامٍّ، وَ راحةِ بالٍ، تَتحاورُ معَ قُدسيَّةِ ما خُلِقَتْ منْ طِينهِ اللَّازِبِ. تَزرعُ نَخلةً باسقـةً لِتَهـزَّ جِذعَهــا لَعلَّهــا تَحظَىٰ بالرُّطبِ الجَني.
فُجـــأةً.. في زمنٍ غير متفقٍ مع مآلهَا، تتلاطمُ عَواصفٌ وَ رعُودٌ وَ تحِلُّ النَّوائبُ، منْ خيُولٍ وَ جنُونٍ وَ انتهاكِ الحُرُماتِ..
تَزحفُ علـىٰ صقيعِ الوجُودِ كي تَتحسَّسَ بُكاءَ وَ أنينَ الغَدرِ وَ التَّنكيلِ، الَّذي اختَلطَ معَ صِراخِ مَخاضٍ عَسيرٍ، تَفنَّنتْ في دَوزَنَتِهِ معَ هَشيمِ النَّحيبِ...
( عَلـىٰ قِمَمٍ منْ عَدَمِ !) النص
وَ هُنا.. شخصيةُ النَّصِّ تُوعِدُنا
أنَّ القهرَ وَ الألمَ سَيُكَفِنَانَهَا بالنَّقاءِ
وَ البراءةِ، وَ مَهما قيلَ عنهَا فَهو هُراءٌ!
{يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ
سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}(مريم ــ ٢٨)
وَ أختُ هارونَ ــ هَاتِيكَ ــ منْ بيتٍ
يُعرَفُ بِالصلاحِ، يَتوالدُونَ بِهِ، وَ ليسَ بيتُ سُوءٍ يَأتي بالفَواحِشِ.
وَ عِبرَ النَّصِ " الرَّهيبِ " ــ إنْ جازَ التَّعبيرُ ــ تَبدو العاصفةُ عاتيَةٌ جدًا،
وَ ماضيةٌ قُدُمًا في غَيِّهَا، وَ الطَّائرُ
مَهِيضُ الجَناحِ، واهنٌ وَ عاجزٌ، لا
عَونَ لَـهُ!
وَ تَسألُ الكاتبَةُ أسئِلةً إنكاريَّةً، لا تَنتظرُ إجابةً منْ أحدٍ.. عنهَا:-
(فَهلْ ضوءُ الشمسِ يأخذُهَا،
أمْ نَبضُ الشَّوقِ الّذي يَقطعُ دابرَ الأنينِ..) النصُّ بِتصرُّفٍ
وَ عَودٌ علـىٰ بِدءٍ.. إنَّ الغضبَ يفورُ كالتَّنورِ عندَ الشَّفقِ، وَ الشَّخصيَّةِ الإفتراضيةِ في النصِ عَزلاءُ، لا تَقوَىٰ علـىٰ شيءٍ، في زنزانةِ اِسْمِهَا، عندَما
تُصرِّحُ بِكُلِّ ثقةٍ وَ إصرارٍ، بِرَنَّةِ صوتٍ
مُجَلْجلَةٍ:-(أَنَـا عَربيةٌ.. بِلا مَأوَىٰ!)
ثالثًا:- تَحليلُ النـَّصِّ
١) العنوانُ " علـىٰ ناصيَةِ شَفَقٍ "
ناصيةُ الإنسانِ، وَ بَقيَّةُ الحَيواناتِ
ذاتِ المَخَاخِ يدورُ معناهَا في مَعنَيَينِ أساسِييَنَ:-
* مـلمُوسٌ/ماديٌّ:-
هو مَنبتُ الشَّعْرِ في مُقدّمَةِ الرَّأسِ،
أسفلُ الجَّبهةِ، يقعُ فيه المُخُّ. وَ سُمّيَ الشَّعْرُ ناصيَة؛ لنباتهِ منْ ذلكَ المَوضعِ.
* مَحسُوسٌ/مَعنويٌّ :-
مَكانةٌ مَهيبَةٌ وَ شرفٌ. وَ هو المنطقةُ المَسْؤولةُ عنِ الكذبِ وَ الخطأِ وَ اتِّخاذِ القراراتِ.
أمّا منَ الناحيةِ العِلميةِ ، فلهَــا أهميةٌ كبيرةٌ لأنَّها مسؤولةٌ عنْ تفكيرِ الإنسانِ، وَ تَحوي تحتَها خَلايا حيَّةً، يَهتدي بها وَ تُغَيِّرُ إرادتَهُ، وَ ينطلقُ
منها الخيرُ وَ الشرُّ، الصدقُ وَ الكذبُ، التَّعسفُ وَ العدالةُ.
وَظيفتُها المَسْؤوليةُ عنِ المُقَايَسَاتِ العُليا وَ توجيهُ سلُوكِ الإنسانِ.
وَ ذُكرتْ النَّاصيةُ في القرآنِ الكريمِ
أربعَ مراتٍ، في ثلاثِ سورٍ:-
(هود ـ ٥٦) و (الرحمن ـ ٤١)
و (العلق ــ ١٥، ١٦).
وَ النَّاصيَـةُ مفردٌ، جَمعُهَـــا نَــواصٍ
وَ ناصياتُ، وَ تدلُّ علـىٰ مَعانٍ منهَـا: الرِّفعَةُ وَ رأسُ الأمرِ وَ السِّيادةُ.
أمَّــا الشَـفقُ:- فَهو الضَّــوءُ الَّذي يظهرُ في جِهَةِ الغَرب بعدَ غرُوبِ الشّمسِ بِفعلِ تَبعثُرُ ضوءُهَا، وَ يسبقُ الغَسقِ، الظلامُ الدّامسُ.
الآنَ.. لو جَمعنَـا المُفردَتينِ (ناصيةٌ
وَ شفقٌ) بِعبارةٍ واحدةٍ، كما وردَ في عنوانِ النصِّ، نَتحصَّلُ علـىٰ دلالةِ مَنَصَّةِ الزَمَنْكَانيَّةِ.. بِمعنَىٰ أبعادَ:
(الطّولِ وَ العرضِ وَ الإرتفاعِ، مضافًا إليهَا الزّمنُ كَبُعدٍ رابعٍ) نَشرفُ منْها علـىٰ ماضٍ، وَ مكانٍ اِبتعدنَا عنهُمَـــا،
وَ نستشفُّ منهمَا قصةَ ذِكرَىٰ، تحملُ بينَ طيَّاتِها متناقضاتِ الحَياةِ، و في أغلبِها مؤلمةٌ وَ حزينةٌ.
٢) مكوُّناتُ النَّصِّ
إنسيابيَّةُ سياقُ النَّصِّ الأدبيِّ تَتَجَلَّـىٰ في عَناصِرٍ مُهمَّةٍ، تَتمثلُ في العاطفةِ
وَ الخَيالِ وَ المَعنىٰ وَ الإسلُوبِ.
تَتكاملُ هٰذهِ العَناصرَ معَ مكوناتِ النَّصِّ الضُروريَّةِ وَ المتناسقةِ فيمَا بَينها، كي تعكـسَ رُؤىٰ الكــاتبِ وَ أفـكــارِهِ، وَ لا مَناصَ منْ إنكارِهَا أو إهمالِهَا... مِنهَا:-
* شخصيَّةُ النَّصِّ
الَّتي اِبتدعَهَا الكاتبُ لنقلِ تَجربتِهِ أو تجاربِ آخرينَ، وَ أضفَىٰ عليهَا صفاتٍ، ليسَ بالضُّرورةِ أنْ تُنْسَبَ إليهِ، لٰكنَّهَا تَتحركُ علـىٰ وِفقِ إطارٍ يَرسمُهُ لهَا. يَستهدفُ مِنهَا تأجيجَ مشاعرَ، وَ اِستثارةَ عواطفِ القارئ بِطريقةٍ خاصَّةٍ بهِ.
* حِبكَةُ النَّصِّ
هي نُقطةُ الذَّروَةِ الَّتي تَتأزَّمُ فيهَـــا الأحداثُ، وَ كُلَّمَا تأزَّمتْ.. زادَتْ نسبَةُ التَّشويقِ لدَىٰ القارِئُ.
وَ الحِبكةُ تَسَلسلٌ مَنطقيٌّ للأحداثِ.
وَ دينَاميكِيَّةُ النَّصِّ تَخلقُهَا شَخصيَّةٌ
أو شَخصيَّاتُ النّصِّ في تَشكيلِ الحِبكةَ، مِمَّا يَتيحُ لِلقارئِ فِهمَ المشاعرِ وَ الصراعاتِ في أثناءِ القراءةِ، وَ مِمَّا يُؤثرُ عليهِ في متابعةِ تَطوُّرِ الأحداثِ
وَ التَّفاعلِ معهَا.
وَ في النَّصِّ المَعروضِ أمامَنَا قامتْ حِبكةٌ بسيطةٍ علـىٰ ثِيمَةٍ واحدةٍ..
أَلَا وَ هي "الاغْتِرَابُ"!
بِحيثُ هَيَّأَتِ الكاتبةُ لهَا جوًّا مَشحونًا بالحطامِ وَ الشعورِ بالوحدةِ إبتداءً.
* السَّردُ الشِّعري في النَّصِّ
الأسلوبُ الَّذي استعمَلتْهُ الكــاتبةُ لعرضِ أحداثِ نصَّها، وَ علـىٰ لِســانِ شَخصيَّـــةٍ، لِفهـــمِ حيثيَّــــاتِ النصِّ
وَ أحداثِهِ، وَ ليسَ مُجرَّدُ نقلَ معلوماتٍ، بلْ يَخلقُ مُنَاخًـــا مَناسِبًــا للتفاعِــلِ العاطفيِّ معَ القارئ.
* لُغَةُ النَّصِّ
أداةٌ حَملتْ جميعَ هٰذهِ العَناصرِ، بَيَّنتْ - أيْ: اللُّغةُ- إسلوبَ الكاتبةِ،
وَ أنشأتْ صُورًا ذهنيَّةً.
وَ نظمُ الكلماتِ بِدقَّةٍ أَسهَمَ في رسمِ مَشــاهِدَ حَيويَّةٍ لِلتعبيرِ عنِ المَشــاعرِ
وَ الأفكَـــارِ بلُغَــةٍ رَصينَـةٍ نَقلتْ عُمقَ المَعاني. فَلُغةُ النَّصِّ غَلبَهَــا التَّحدِّيُ
وَ الاِصرارُ، اليَأْسُ وَ الرَّجاءُ. لُغَةُ اِغترابِ إنسانٍ واعٍ، يَنشِدُ وَطنًا، معَ وجُودِهِ في الوَطنِ الَّذي وُلِدَ فيهِ وَ نَشأَ علـىٰ حُبِّهِ.
بَدأتْ بـِـ (حُطامُ المَوجِ) رَمزُ الحَيـــاةِ،
وَ انتهَـتْ بِصرخَــةٍ مُدوِّيَـــةٍ اِختصرَتْ مَأساةً وَ أوجاعًا مُتكَـــرِّرةً منذُ عقُـــودٍ
(أَنَـا عَربيَّةٌ.. بِلا مَأوَىٰ).
وَ كَأنَّهَا طَلقةُ الرَّحمةِ في جَسدٍ مُسجًّىٰ علـىٰ جغرافيَّةِ الوَطنِ!
رابعًا:- التَّنَاصُّ في النَّصِّ
في النَّقدِ الأدبيِّ التَّناصُّ يَعني:
التَشــابهُ بينَ نصٍّ وَ آخرَ، أو عِـــدةِ نصُوصٍ، أو مشاركتُهَا. وَ بِإختصارٍ
(كِتابةُ نَصٍّ علَـىٰ نَصٍّ)!
وَ ذٰلكَ.. يُعَدُّ مِنَ الأمُورِ المُستحبَّـةِ
لإثراءِ الكَلامِ وَ تَوكيدِ وَ توثيقِ مَضمُونِهِ.
التَّناصُّ يُشْبِهُ الخَزَّانَ المَملوءَ بِقراءَاتٍ سابقةٍ، وَ عندَمَا يُباشرُ الكــاتبُ عَملَهُ الإبداعيَّ تَتسرَّبُ بعضَ النُّصوصِ منْ ذٰلكَ الخَـزَّانِ إلـىٰ إنتــاجِـهِ، بِتَفاعـــلٍ
وَ تَداخلٍ، فَيطلــقُ النُّقــــادُ علـىٰ هٰذهِ العمليةِ بـِـ(التَّناصِّ) فِيمَا بينَ النصُوصِ الأدبيَّةِ..
أمَّـــا ( الإقتبَاسُ) يَحصلُ معَ آياتِ القُرآنِ الكَريمِ وَ الحَديثِ النَّبوي، نَتيجةً لِترسباتِ اللُّغةِ في الذِّهنِ.
لا شعُوريًّا، يُزَيِّنُ الكاتبُ نَصَّهُ.. بِهَــا،
عندَما يُضَمِّنُ مفردَاتٍ أو عباراتٍ
منْ مَكانٍ آخرَ، للدلالةِ علـىٰ العُمقِ الثَّقافي، يَلمَسهُ المُتلقِّي، وَ يَلتفِتُ بِإعجابٍ إلـىٰ هَويةِ الكاتبِ وَ ثَقافتِهِ.
وَ لا مَندُوحَةَ مِنْ تَدبِّرِ بَلاغةِ القُرآنِ الكريمِ، وَ بيانهِ في هٰذا المَجالِ.
كَـمَنْ يَتَرَيَّضُ بِجِنانٍ فيهَا مِنَ الزُّهورِ كَلُّ زَوجٍ بَهيجٍ!
اللَّحظَةُ الفَارقَةُ:-
هي تَجربةٌ تَتحوَّلُ فيهَــا الأشياءُ إلـىٰ مُنحَنًىٰ جَديدٍ، مَختَلفٍ وَ متطورٍ،
غَنيَّــةٍ بالبَهجــةِ وَ الفخـرِ وَ التَّواصـلِ، تَعيشُ للأبَدِ في ذِهنِ الإنسانِ.
وَ اللَّحظَـةُ الفَــــارقَةُ في النَّصِّ (عَلـىٰ ناصيَةِ شَفَقٍ) أراهَا في تَنـاصٍّ معَ قَصيـدَةِ الشَّـاعرِ اللُّبناني ( سعيد عقل ٢٠١٤/١٩١٢ وُلَدَ وَ دُفِنَ في زَحْلَة، بعدَ أنْ صَنعَ وَطنًــــا يَصعُـبُ قَتلَــهُ،
وَ غَنَّتهَا فَيْرُوز قَـديمًا.)
فَقدْ مَنَحَ هٰذا التَّناصُّ زَخْمًا هائلًا
مِنَ الشَّجنِ وَالحَنينِ وَ الرَّجاءِ، لِنَصِّنَا (علـىٰ ناصيةِ شَفقٍ).
أينَ التَّناصُ في النَّصِّ:-
* قَصيدةُ سَعيد عقل:
(رُدَّني إلـىٰ بِلادِي) البَيتُ الأخيرِ مِنهَا
(شِلْحُ زَنْبَقٍ أَنَا...
إكْسِرْني عَلـىٰ ثَرَىٰ بِلادِي)
أمَّا نصُّ الكاتبةِ:-
(هُناكَ
خَلفَ حُطامِ المَوجِ
شِلحٌ زنبقيٌ أَيقَظني ..) النَّصُّ
فَالهّمُّ واحِدٌ، وَ أدواتُ التَّعبيرِ ذاتُهَا!
* وَ مَنْ يُعِيدُ قَراءَةَ قَصيدةِ الشَّاعرِ الفَلسطيني (مَحمُود دُرويش ٢٠٠٨/١٩٤١ من الجليل، (سجل أنا عربي)يَجدُهَا حاضرةً في نَهايةِ النَّصِّ صَراحةً.
أمَّا الإقتباسُ فَنَلحَظُهُ في الآيـةِ:
* {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} (طه ــ ١٢)
و في النَّصِّ وَردَ:-
(أستلقي بينَ مَفاتنِ العَبَقِ
أخلعُ نَعلي ...فَأرضي مُقدَّسةٌ) النَّصُّ
* وَ كَذٰلكَ.. قِصَّةُ ولادَةِ السَّيدةِ مَريم
لِطفلِهَا، عندَما اِنْتَبذْتْ مَكانًا قَصيًّا
منْ أهلِهَا، تحتَ نَخلةٍ في العَراءِ..
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ
مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} (مريم ــ ١٦)
وَ يَبدُو أثرُ هٰذهِ القِصَّةِ القُرآنيَّةِ جليًّــا
في النَّصِّ..
(رُويدِكَ .. رُويدِكَ .. أيُّهَا الألَمُ !
تَمهَّلْ ...
ما تَزالُ بَراءَتي تَكبرُ بِداخلي
مُحترقةً
تَمهّلْ .. فَالعاصِفةٌ قَويَّةٌ
شَراعِي مَكسورُ الأجنحَةِ
أخْذَتْهُ رياحُ الحُلْمِ
علـىٰ قَرميدِ ضَيعَتِنَا.. ) النَّصُّ
كُلُّ ذٰلكَ، أضْفَىٰ لِلنَّصِّ رَونقًا مِعماريًّا
- بِالكلِماتِ - وَ حُسْنًا وَ صَفاءً، منْ خِلالِ التَّعبيرِ بالكلمةِ الَّتي عَشقَتْ مَكانَهَا في سِياقِ النَّصِّ، وَ حَسبُنَا وَطنًا وَ قَضيَّةً نُؤمِنُ بِهمَا، رُغْمَ انهيارِ القِيمِ،
وَ حَمْلِ النُّعوشِ يَوميًا.. وَ ذٰلكَ أضعفُ الإيمانِ!
أخيـــــــــرًا..
نَظِنُّ أنَّ المَرَامَ منْ هٰذهِ القَراءَةِ لِنَصِّ الإستاذةِ "مَيسُون يُوسُف نَزَّال" هُو.. زِيادةُ مُتعةِ المُتلقِّي وَ هو يُتابعُ مَنشُوراتٍ جَمَّةٍ، لأُدباءٍ وَكُتَّابٍ لا غِبارَ علـىٰ مُبادراتِهم في إغناءِ السَّاحَةِ الثَّقافيَّةِ بالمَعرفةِ وَ المَعلومَةِ بِلُغةٍ مُيَسَّرَةٍ لِلجَميعِ، عِبرَ مَنصاتِ التَّواصلِ الإجتماعي.
وَ أرجُو أنْ أكونَ قَدْ وُفِّقْتُ لِمَا ذَهبْتُ إليهِ، وَ أعطيْتُ النَّصَّ اِستحقاقَهُ في القَراءةِ وَ التَّحليلِ.
وَ أنْ يُكْرِمْنَا مَنْ يَطَّلِعُ علـىٰ مَقالَتِنَا، بتُحفةٍ مِنْ رَأيهِ، يَدُلُّنا بِهَا علـىٰ مَا أخفقْنَا فيهِ - لا سَمحَ اللّٰهُ- وَ يُنيرُ
سُبُلًا كَثيرةً، وَ يَأخذُ بِيدِنَا إلـىٰ الصَّوابِ المُفيدِ وَ المُمتِعِ...
كُلُّ التّقديرِ للإستاذةِ الفاضلةِ
(مَيسُون يُوسُف نَزَّال/ فَلسطين)،
وَ نَغبِطُهَا علـىٰ إبداعاتِهَا وَ حرصِهَا علـىٰ تَقديمِ أفكارِهَا بإطارٍ وَ إسلوبٍ بَديعٍ حَقًّا، يَدعُونَا أنْ نَثني عَليهَـــا
أَجْزَلَ الثَّناءِ...
مَعَ أطيبِ التَّحياتِ